إذا كانت بعض مدارس اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة تقارب قرى الأرياف بطريقة مختلفة عن المدن، إلا أن فرض أقساط مدولرة لا يراعي الفوارق الشاسعة في دخل الأسر بين المركز ومناطق الأطراف. ففي منطقة بعلبك - الهرمل، مثلاً، تتركز نسبة مرتفعة من ذوي الدخل المحدود، مزارعين وموظفي قطاع عام، ممن يصعب أن تتاح لهم فرص عمل إضافية، ولا يتجاوز دخلهم السنوي ألفَي دولار.
(هيثم الموسوي)

وإذا كان معدل «المساهمات» بالدولار للعام الدراسي 2023 يراوح في مدارس بعلبك - الهرمل بين 350 و550 دولاراً، إضافة إلى قسط بالليرة يراوح بين 8 ملايين و35 مليوناً، فقد أتت الزيادة أكثر قسوة في بعض المدارس، ومنها مدرسة القلبين الأقدسين في بعلبك، التابعة للأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، إذ بلغت المساهمة 775 دولاراً، إضافة إلى 36 مليون ليرة، وكذلك رسوم النقل والقرطاسية والزيّ المدرسي، علماً أن أكثر من 60 في المئة من أهالي التلامذة موظفون في القطاع العام. الصادم، بحسب مصادر الأهالي، هو أن المدرسة تحدّد الكلفة التشغيلية السنوية بـ 180 ألف دولار، وهو رقم خيالي لمدرسة تضمّ 740 تلميذاً و50 معلماً و14 إدارياً (رقم كبير في المناسبة لمدرسة بهذا الحجم)، إذا ما احتسبت مصاريف الكهرباء والمازوت والتدفئة ومساعدات المعلمين بالدولار والتي لا تتجاوز 500 دولار لأساتذة الملاك (27 أستاذاً) و300 دولار للأساتذة المتعاقدين (21 أستاذاً). ولم تفض الاجتماعات بين الأهل والإدارة إلى نتيجة. فيما برّرت لجنة الأهل في المدرسة الزيادة بأن نقابة المعلمين طالبت بدولرة 40 في المئة من الراتب الأساسي للأساتذة، علماً أن النقابة ميّزت بين المركز والأطراف، فحددت المساهمة بـ 40% في المئة للمركز و25% للأطراف.
تبرر مديرة المدرسة، جورجيت خلف، الكلفة بتراجع المساعدات الدولية، «ومنذ أربع سنوات، نعمل من أجل رواتب الأساتذة فقط»، لتخلص إلى أن «من يستطيع من الأهل أن يسجل أولاده نرحّب به، ومن لا يستطيع فليبحث عن مدرسة أخرى»، فيما تساءلت مصادر الأهالي عمّا «إذا كان التعليم في هذه المدرسة سيكون خاصاً بأبناء الأثرياء وتجار المخدرات والمرابين».
الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، يوسف نصر، يشير إلى أن «المساهمة» بالدولار تختلف بين المدن والأطراف والقرى، «فأقساط بيروت غير أقساط البقاع، وزحلة غير بعلبك، وبعلبك غير رأس بعلبك وقرى القاع». ويلفت إلى «أننا واعون لمشكلة أن الأهل ليسوا جميعاً قادرين على الدفع، وهذا يحلّ بتفعيل المكاتب الاجتماعية في كل مدرسة، والاعتماد على المساعدات من المغتربين والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة». مع ذلك، يرى أن الاعتبار الأقوى الذي يفرض نفسه هو المعلم الذي سيتقاضى دعماً بالدولار الأميركي يراوح بين 50 في المئة و15 في المئة تبعاً لموازنة كل مدرسة.
في بناء الأقساط، ثمّة معطيان تأخذهما المؤسسة في الحسبان: حقوق المعلمين والحفاظ على المستوى التربوي، ما يفرض من حيث المبدأ أن تكون الرسوم موحّدة في كل المناطق، بحسب المدير العام لجمعية التعليم الديني الإسلامي - مدارس المصطفى، محمد سماحة، «لكن في واقع الأمر، ما يحصل أن المؤسسة تخفّض القسط في المناطق النائية تبعاً لأمرين: قدرتها الذاتية على دعم الأقساط أو تأمين مساعدات خاصة لغير القادرين». وإذ يلفت إلى أن الأعباء في بعض المناطق قد تكون أقلّ عنها في العاصمة، إلا أن ذلك لا يؤثر كثيراً في تحديد قيمة الأقساط، «ونحن ندعم أقساط مدارسنا تبعاً لظروف كل منطقة توجد فيها».
ووفق منسق مديرية التربية والتعليم في جمعية المبرات، فايز جلول، راعت الجمعية واقع المناطق فتفاوتت «المساهمة» بين 400 دولار و800 دولار، وكذلك بالنسبة إلى القسط بالليرة. لكن، هل لدى الأُسر في الأطراف القدرة على دفع 400 دولار؟ يجيب: «الرقم قليل وخاسر إذا ما قيس بنسبة التضخم»، مقرّاً بأن رواتب المعلمين تختلف بين المركز والمناطق تبعاً للقدرات المالية لكل مدرسة، وإن كان «التفاوت ليس كبيراً».