عقدت أمس الهيئات الاقتصادية جلسة لمناقشة اتفاق تصحيح الحدّ الأدنى للأجور، الذي أبرمه رئيس الهيئات محمد شقير مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير العمل مصطفى بيرم وممثلي الاتحاد العمالي العام الأسبوع الماضي. الاتفاق نصّ على زيادة الحدّ الأدنى للأجور من 9 ملايين ليرة إلى 18 مليون ليرة وزيادة المنح المدرسية في المدارس الخاصة إلى 12 مليون ليرة وفي المدارس الرسمية إلى 4 ملايين ليرة.الجلسة كانت مخصّصة لإقناع معارضي هذه الزيادة الذين تغيّب عدد منهم «لأنهم مستاؤون من سلوك شقير» وفق ما نقلت مصادر مطّلعة، إذ إن أعضاء الهيئات كانوا متردّدين في الموافقة على زيادة الحدّ الأدنى إلى 15 مليون ليرة وكانوا يرون أن 12 مليون ليرة كافية. والمسألة هنا لا تتعلق بالقيمة الاسمية للحدّ الأدنى، بل بالتصريح عنه للضمان الاجتماعي، إذ إن الجميع مدرك أن الحدّ الأدنى المدفوع فعلياً للعاملين في القطاع الخاص هو أعلى من 18 مليون ليرة، لكنهم يعارضون التصريح عنه للضمان الاجتماعي بحجّة أن هذا التصريح سيرتّب عليهم أكلافاً في المستقبل تتعلق بتسويات نهاية الخدمة وبزيادة قيم الاشتراكات المتوجبة للضمان الاجتماعي. معارضو الزيادة، وعلى رأسهم رئيس نقابة أصحاب السوبرماركت نبيل فهد، ورئيس جمعية الصناعيين سليم الزعنّي، كانوا ذاهبين نحو صدام مع شقير في الجلسة لأنه «يتساهل كثيراً مع العمال بسبب طموحه السياسي» تقول المصادر. وهم أيضاً كرّروا فكرة أن مبدأ معارضة هذه الزيادة لا يتعلق بالأجور الاسمية، بل بالتصريح عنها لصندوق الضمان، ويعتقدون أنه على الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها تجاه الضمان وتسديد المتأخرات المالية بدلاً من فرض إعادة التوازن المالي في الضمان عن طريق القطاع الخاص.


وبحسب المصادر، فقد تلقّف شقير الاعتراضات بشكل استيعابي، إذ إنه يدرك بأن الهيئات لن تكسر كلمته التي التزم بها أمام رئيس الحكومة ووزير العمل. وقال شقير لـ«الأخبار» إن ما تم الاتفاق عليه أمام رئيس الحكومة، ستتم ترجمته اليوم في لجنة المؤشّر، أي رفع الحدّ الأدنى إلى 18 مليون ليرة، ورفع المنح المدرسية إلى 12 مليوناً (مدارس خاصة) و4 ملايين (مدارس رسمية)، أُقرّ في جلسة الهيئات أمس «لأن الكل يشعر بوضع الغلاء، وهناك تفهّم لهذا الأمر، علماً أن أصحاب العمل لا يريدون خسارة موظفيهم اللبنانيين لاستبدالهم بعمالة أجنبية».
بمعنى آخر، قرّر أصحاب العمل الحفاظ على صورتهم أمام قوى السلطة وتجرّع «الزيادات» التي ستطاول أرباحهم لإنقاذ «برستيجهم» من الانهيار. فهم على استعداد لتسديد ثمن الزيادات، سواء في اشتراكات الضمان وتسويات نهاية الخدمة، حتى لا تهتزّ صورتهم في نادي الهيئات الاقتصادية الذي يمثّل جزءاً من قوى السلطة. وهم يتّهمون الدولة بأنها لا تسدّد اشتراكات الضمان وأنها مسؤولة عن التوازن المالي فيه رغم أن ما يترتب عليها لا يزيد على 5000 مليار ليرة، أي ما يعادل 55 مليون دولار، وهم أنفسهم الذين استفادوا من نموذج أفلس ومن قروض مدعومة طوال السنوات الماضية ومن فوائد باهظة دُفعت من الخزينة وتاجروا بالعقارات واستفادوا من طفرات الأسعار المصطنعة. اليوم هؤلاء الذين اعتادوا أكل حقوق العمال، يزعمون أنهم مظلومون بينما كانوا شركاء في تكريس السياسات المالية والنقدية التي مارستها الحكومات المتعاقبة ومصرف لبنان في العقود الثلاثة الأخيرة. بنتيجة هذه السياسات طارت الودائع، ثم طارت المداخيل.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الزيادة المتوقّع إقرارها اليوم للحدّ الأدنى للأجور ليصبح 18 مليون ليرة بدلاً من 9 ملايين ليرة، ومضافاً إليه بدل النقل بقيمة 450 ألف ليرة عن 21 يوم عمل وسطياً، أي ما مجموعه 27 مليوناً و450 ألف ليرة، فإن التصحيح الفعلي في الحدّ الأدنى للأجور مقارنة مع ما كان عليه في عام 2019، يبلغ 57%، أي أن الانخفاض في القوّة الشرائية للحدّ الأدنى للأجور كما كان عليه في عام 2019 يبلغ 43%. القيمة الفعلية للحدّ الأدنى، هي قيمة الأجر الاسمية (أي 18 مليون ليرة) تُحتسب على أساس التضخّم، أي أنها تُعدّل القوّة الشرائية بالتناسب مع التآكل اللاحق بها على مدى سنوات الأزمة. وبهذه الطريقة، يظهر أن القيمة الفعلية للحدّ الأدنى للأجور انخفضت بنسبة 87% في عام 2021، لأن السلطة لم تعمد إلى تعديله في تلك السنة، بل تركت معدلات التضخّم تنهشه. وبعد ذلك، تقرّر تصحيح الأجور وإعادة بعض من قدرتها الشرائية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً، في موازاة التضخّم المتراكم والمتواصل في عامَي 2022 و2023 وصولاً إلى الآن.