منذ عام 2018، تسعى المصلحة الوطنية لنهر الليطاني إلى حماية النهر من كل التعديات ومن التلوّث الناجم عن الصرف الصحي والصناعي وغيره من الأسباب التي جعلت الليطاني، وخصوصاً في الحوض الأعلى، أي من المصب وحتى سد القرعون، بمثابة كارثة بيئية وصحية. لمواجهة هذه الكارثة، عملت المصلحة مع مختلف الشركاء، بما فيهم الجامعة الأميركية في بيروت، على تطبيق مبادئ الحوكمة في إدارة الموارد المائية، ولا سيما مبادئ الشفافية والمساءلة والمشاركة. وعملاً بهذه المبادئ الثلاثة، وقّعت المصلحة مع الجامعة الأميركية - معهد عصام فارس للسياسات العامة، اتفاقية للتعاون في مجال استدامة الموارد المائية والبيئية في لبنان، وتتيح مصلحة الليطاني للفرق البحثية والطلاب كل المعطيات والتسهيلات اللازمة لإجراء الدراسات والأبحاث حول رصد مياه النهر ونوعيتها.وتظهر بيانات المصلحة أن المياه في الحوض الأدنى للنهر، من أسفل سد القرعون إلى المصب في القاسمية، أصبحت بعد الجهود المبذولة مع الشركاء، صالحة للري، وفي بعض المواقع للسباحة، عقب إزالة آلاف الأمتار المربعة من التعديات وتحويل مئات مصبّات الصرف الصحي عن النهر، وملاحقة مئات المعتدين أمام القضاء والقوى الأمنية، وإقفال مئات المرامل ومقالع الصخر، والرمل والبحص في جبال الريحان والعيشية. ويتم استثمار مياه الحوض الأدنى في ري الأراضي الزراعية على ساحل لبنان الجنوبي من الغازية إلى المنصوري عبر مشروع ري القاسمية - رأس العين الذي نسعى إلى تطويره مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، كما يتم استثمار نطاق واسع من المياه السطحية عبر مؤسسة مياه الشفة المختصة، ولا سيما في مشروعَي الطيبة وزوطر، إضافة إلى استثمار المياه في السياحة والصيد وممارسة الحقوق المكتسبة على المياه لملاك العقارات المجاورة والمشاطئة للنهر.
في المقابل، تعاني مياه الحوض الأعلى لنهر الليطاني، أي من المنبع حتى سد القرعون، من كارثة بسبب تحوّلها مصبّاً لأكثر من 50 مليون متر مكعب من الصرف الصحي الناتج من 69 بلدة في البقاع الشمالي والأوسط والغربي، وأكثر من 4 ملايين متر مكعب من مخيمات النازحين السوريين المنتشرة بواسطة وكالات دولية غير مسؤولة على ضفتَي نهر الليطاني في أقضية زحلة وبعلبك، إضافة إلى تحويل كميات - تشهد تراجعاً بفعل جهودنا مع الشركاء - من النفايات السائلة الصناعية مع وجود عشرات مكبات النفايات الصلبة.
وقد سعت وكالات دولية ومحلية وعربية مع مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الطاقة والمياه إلى تجهيز وبناء منظومات لمعالجة الصرف الصحي، تشمل شبكات ومحطات ضخ ومحطات معالجة المياه المبتذلة، وهي للأسف موضوع مراوحة وتأخير في التنفيذ، وموضوع تساؤلات مستقبلية في تأمين مصادر الطاقة والتشغيل، علماً أن مياه الحوض الأعلى للنهر يتم تجميعها خلف سد القرعون لتحويلها إلى مجموعات معامل توليد الطاقة الكهرومائية في مشغرة وجون والأولي، وتزوّد بالطاقة أكثر من 200 بلدة في البقاع الغربي وجزين والشوف وإقليم الخروب وإقليم التفاح وبساعات تغذية تزيد على 20 يومياً،
موضوع رسالتي هذه، هو ذهولي من إقدام أحد أساتذة الجامعة الأميركية في بيروت على تناول نهر الليطاني بشكل يجافي الحقيقة وينمّ عن فضيحة معرفية، إذ رأى زميلكم الدكتور مكرم رباح أن «نهر الليطاني المحاذي للحدود بمثابة مجرور» - انتهى الاقتباس - فيما هو لا يقع على الحدود، بل هو يبعد بعمق كيلومترات عن الحدود الفلسطينية، وهو أيضاً في هذه المنطقة صالح للري تماماً وصالح للسباحة أيضاً، وفقاً لآخر تحاليل أجرتها المصلحة في المختبرات المجهزة من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID وبواسطة عناصر مدربة لدى الوكالة ومع الجامعة الأميركية.
وقد أشار الأستاذ المحاضر المذكور في الحديث نفسه إلى أنه بما معناه طالما أن النهر «مجرور» فـ«لتأخذه إسرائيل» وفقاً لتعبيره، بما يفيد، بالجغرافيا السياسية، أن ثروة طبيعية بيد عدو هي أفضل من ثروة طبيعية بيد شعب أهدرها أو لوّثها، وهذا منطق خطير إذا ما تم تكريسه في الجامعة الأميركية، وإذا ما تم إدخاله في العلوم السياسية، ويتجاوز أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، كما يبرر الكثير من التصرفات التي تتعرض لها بعض الأنهار الدولية. لا بل هو يتضمن شبهة اعتراف بحقوق مزعومة على نهر الليطاني - وهو نهر داخلي - لدولة لا يعترف بها لبنان. بل إن فلسطين نفسها باعتبار موقعها وحدودها ليست لها أية حقوق في هذا النهر، فكيف ستكون هناك حقوق لمن وفد واستوطن في ارض فلسطين، إلا إذا سارت الجامعة بمنطق التلوث يبرر الاحتلال.
ولما كانت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تذكر باتفاقية التعاون مع جامعتكم وتحرص على استمرار التعاون معكم، فإنها تتوجه إلى رئاسة الجامعة الأميركية في بيروت بالأسئلة التالية:
1 - هل المعايير الأكاديمية في جامعتكم العريقة تبرر لأساتذة الاختصاص، وإن في معرض مواقفهم السياسية، تحريف المعطيات الجغرافية والاقتصادية والطبيعية؟
2 - هل تقبل معايير الرصانة العلمية والأكاديمية لجامعتكم العريقة تكريس منطق استيلاء الدول على ثروات الشعوب الأخرى إذا ما تعرضت لكارثة بيئية؟
3 - هل بات دور الجامعة الأميركية في بيروت وأساتذتها السير في ركب وخطى بعض الجهات السياسية التي اعتادت أن تستبدل واجبها بمعالجة مشكلة التلوث بإنكارها، عبر تكريس بعض أساتذة الجامعة منطق رفع التلوث عبر فرض الاحتلال؟
4 - هل المعطيات التي أعطيت من قبل الأستاذ المذكور في جامعتكم يتم تدريسها خلال المحاضرات والصفوف الأكاديمية وهل تعبّر عن رسالة الجامعة؟
إننا نبدي استعدادنا، عملاً باتفاقية التعاون الموقعة معكم، للمشاركة في التوعية - حيث يلزم - بشرح المعطيات البيئية والجغرافية والسياسية والاقتصادية لنهر الليطاني، وموقع النهر المذكور في الصراعات التاريخية التي شهدتها منطقتنا منذ سقوط السلطنة العثمانية وحتى تاريخه، كما نقترح تمكين أساتذة العلوم السياسية لديكم من الاطلاع على المعطيات الصحيحة من الكليات العلمية، ولا سيما الصحة والغذاء والبيئة، أو الاطلاع على برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، قبل إطلاق مواقف خاطئة تحرج الجامعة.

* المدير العام لمصلحة الليطاني
من رسالة إلى رئيس الجامعة الأميركية فضلو خوري