بعد امتناع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن إصدار قانون الإيجارات للأماكن غير السكنية وردّه إلى مجلس النواب لمناقشته مجدّداً رغم إقراره في المجلس، تعمل لجنة الإدارة والعدل النيابية على صياغة نصّ جديد يرضي المالكين والمستأجرين بموجب عقود قديمة أُبرمت قبل عام 1992. وبعدما جمعت اللجنة، قبل أسبوعين، ممثلين عن الطرفين للاستماع إلى آراء كليهما «المتضاربة»، «يئس» رئيس اللجنة جورج عدوان من إمكانية تدوير الزوايا، وقرّر إدارة نقاش غير مباشر بينهما، فطلب من كلّ جهة أن ترسل ملاحظاتها وهامش تنازلاتها في كتاب يتضمن النقاط الآتية: مدة تحرير عقود الإيجارات (المحددة بـ 4 سنوات)، وقيمة بدل المثل (8% من قيمة المأجور)، وبدلات الخلوّ (لم يتطرق إليها القانون).وينصّ القانون على تحرير عقود الإيجارات غير السكنيّة القديمة بعد 4 سنوات من صدوره، على أن يتم رفع البدلات تدريجيّاً خلال هذه المدة (25% من قيمة بدل المثل في السنة الأولى، و50% في الثانية، و100% في السنتين الثالثة والرابعة). علماً أنّ بدل المثل يوازي 8% من قيمة المأجور. ويحق للمالك، بموجب القانون، تقصير المدة الانتقالية إلى سنتين مقابل التنازل عن الزيادات التدريجية، أو استرداد المأجور قبل انتهاء المدة في حالات معيّنة مقابل تعويض يصل إلى 15% من القيمة البيعية للمأجور. على سبيل المثال، إذا كانت قيمة المأجور 100 ألف دولار، فإن بدل المثل يساوي 8 آلاف دولار. يسدّد المستأجر ألفي دولار في السنة الأولى (167 دولاراً شهرياً)، و4 آلاف دولار في السنة الثانية (334 دولاراً شهرياً)، و8 آلاف في السنتين الثالثة والرابعة (667 دولاراً شهرياً)، قبل أن يسترد المالك المأجور.
وعليه، برزت نقطة خلاف جديدة في القانون تتمثّل بتعدد الجهات المخوّلة تخمين قيمة المأجور بين الخبير الذي تعيّنه المحكمة، ووزارة المالية، ولجنة التخمين المنصوص عليها في المادة 8 من قانون «الرسوم والعلاوات البلدية وتعديلاته»، ما «سيسبب وجعة رأس ونزاعاً إدارياً وقضائياً»، بحسب عضو لجنة تجار الرميل بسام مخيبر. لذلك، طُرح اعتماد مبدأ مضاعفة بدل الإيجار القديم نفسه، على أن تسري قيمة المضاعفة التي يحددها القانون على جميع عقود الإيجار بدلاً من مبدأ النسبية. مثلاً إذا كان بدل الإيجار يساوي 100 دولار، وحدّد القانون مضاعفة البدلات 10 مرات، يصبح الإيجار 1000 دولار. وهكذا لا تعود هناك حاجة إلى تثمين المأجور، علماً أنّ هناك شكوكاً في أن الطرفين اللذين اختلفا على نسبة بدل المثل سيتفقان على قيمة المضاعفات.
في كتابها إلى عدوان، ردّت نقابة مالكي الأبنية المؤجّرة بـ«الموافقة على مضض على تمديد مهلة تسليم المأجور لخمس سنوات، وتخفيض بدل المثل إلى 5 أو 6%»، كما ينقل رئيسها باتريك رزق الله. أمّا في ما يخصّ الخلوّات التي دفعها المستأجرون، «فلن نمانع طرح عدوان خلال الجلسة تمديد عقود الإيجار لمن سدّد بدل خلوّ بعد عام 2014، تاريخ صدور قانون الإيجارات الجديد، ربطاً بارتفاع قيمة هذه البدلات في السنوات الأخيرة. أما من دفع بدل خلو قبل 10 سنوات فقد استردّ ماله بالاستفادة من المأجور من دون دفع بدل إيجار كل هذه المدة».
إلا أن هذه «التنازلات» التي قدّمها المالكون لن تجدي نفعاً لأن المستأجرين يرفضون قانوناً يحرر الإيجارات غير السكنية من الأصل، ويركّزون نقاشهم حول «بدلات الإيجار المناسبة في إطار قانون إيجار يضمن استمرارية المؤسسة التجارية. أما في حال أصرّ المالك على إنهاء العقد فيكون أمام خيارين، إما يشتري المأجور مقابل دفع 40% من قيمته للمستأجر أو يبيعه للمستأجر بـ 60% من قيمته»، بحسب مخيبر. وأجمع المستأجرون القدامى في اجتماع الجمعيات التجارية والنقابات ولجان الأسواق في 18 آذار الجاري على أنّ «الشوائب التي تعتري القانون الحالي ليست تقنية ومحصورة ببعض النقاط، بل بنيوية وتطاول جوهره، وتجعله غير قابل للترميم أو التعديل من وجهة النظر التجارية». واتفقوا على تقديم «تصور جديد ومتوازن للقانون يراعي حقوق المستأجرين والمالكين على حدّ سواء، وتشكيل لجنة من التجار لهذه الغاية لتقديمه في أقرب فرصة ممكنة»، بحسب رئيس «جمعية تجار بيروت» نقولا شماس.
بين حق التملك من جهة وحقوق المستأجرين المستندة إلى قانون التجارة والمدفوعة بنتائج الأزمة الاقتصادية من جهة ثانية، لا يريد 24 ألفاً و900 تاجر من المستأجرين القدامى ملاقاة المصير نفسه لـ 87 ألف مستأجر جديد، أي «الانتقال كالرُّحَّل من متجر إلى آخر وخسارة الزبائن»، بحسب مخيبر. وعليه، فإن الفجوة بين الطرفين لن يكون من السهل ردمها لأن الخلاف يكاد يكون «وجودياً»، وهو ما عبّرت عنه إشارة أحد التجار في جلسة «الإدارة والعدل» إلى منطقة الكسليك، حيث «المحال الصامدة هناك هي فقط المؤجّرة قديماً»، وردّ رزق الله عليه بالقول: «هل يعني ذلك أنكم تفتحون محالّكم على حسابنا؟».