لا شيء ينبئ بحلّ قريب لـ«المشكلة» القائمة بين وزارة الداخلية والبلديات وشركات اللوحات الإعلانية، على الرغم من الاجتماعات المتلاحقة والمتابعة الحثيثة لها. مخالفة بعض أصحاب شركات اللوحات الإعلانية للمرسوم 8861 الصادر في عام 1996، هي ما دفعت بوزارة الداخلية، في 30 نيسان الفائت، إلى اتخاذ قرار بإزالة قسم كبير من اللوحات الإعلانية الموزّعة على الطرقات والأبنية.
قد يكون قرار الوزارة صائباً من الناحية القانونية، إلا أن الناحية العملية ستعود، بحسب نائب رئيس نقابة شركات اللوحات الإعلانية جورج شهوان، بخسائر كبيرة على هذه الشركات، ولاحقاً على العاملين فيها. هي الشركات نفسها التي زار بعض أصحابها نواب المناطق، كما توجهوا إلى الرؤساء الثلاثة ونواب مناطقهم وفاعلياتها، عبر إعلانات في الصحف، طالبين منهم التدخل و«حمايتهم» من قرار الإزالة الذي يهدّد أرزاقهم.
يعترف شهوان بأن هناك «فوضى إعلانية ومخالفات حصلت»، والسبب برأيه «توسّط عدد من النواب على مرّ السنوات العشر الماضية لدى البلديات لإصدار التراخيص لشركات اللوحات الإعلانية». يضاف إليها محاولة هذه البلديات نفسها «الاستفادة المالية القصوى من منحها التراخيص». مخالفة البعض كانت لها «أسبابها المنطقية» وفق شهوان، وهي «عدم قدرة المرسوم القديم نسبياً على مواكبة تطور العمل الإعلاني».
لذلك، ربما، أخذ وزير الداخلية والبلديات مروان شربل على عاتقه مهمة إعادة تنظيم هذا القطاع. تنظيم يرى شهوان أنه «سيأخذ في طريقه الصالح بعزا الطالح»، مشيراً في هذا الصدد إلى أن «عدداً من الشركات الإعلانية، يصل إلى 46، قرّر أصحابها تقديم شكوى ضدّ وزير الداخلية» احتجاجاً على قراره.
لكن ما الحلّ الذي تبحث عنه هذ الشركات؟
يقول شهوان: «نحن مع تنظيم هذا القطاع، لكن تكمن مشكلتنا في الطريقة التي يدير فيها وزير الداخلية هذه المسألة». فالأخير، حسب شهوان «لم يقم بإزالة لوحات لشركات مخالفة لأنها تتبع لجهة سياسية معينة، فهل من مفاضلة بين شركة وأخرى؟». لذلك يبدأ الحلّ برأيه عبر «استصدار مرسوم جديد يلحظ ارتفاع عدد الشركات الإعلانية وتوسع أعمالها بما يتلاءم مع البيئة والسلامة العامة وكل الشروط الواجب توافرها. وكذلك في تكليف مندوبين من الوزارة، مهمتهم التنسيق مع أصحاب الشركات الإعلانية لإزالة اللوحات المخالفة منها».
«الذين يرفعون الصوت اليوم هم باختصار أصحاب الشركات التي تملك حصة كبيرة في السوق»، بهذه الجملة يلخص المستشار القانوني لوزير الداخلية المحامي ريمون مدلج لبّ المشكلة. يلفت مدلج إلى أن اجتماعات متكررة عقدت بهذا الصدد مع نقابة أصحاب شركات اللوحات الإعلانية، إضافة إلى تجمّع الشركات الإعلانية، للوصول إلى حلّ وسط، بحيث لا يستمر الخلل في التنظيم على حاله، ولا تُزال كل اللوحات ويعاد تنظيمها فيخسر أصحابها الكثير.
يقول مدلج إن «إعادة التنظيم واجب، ولذلك رأت الوزارة أن تعديل المرسوم 8861 بات ملحاً، فقامت بإدخال تعديلات تلحظ كل التطورات التقنية التي عرفها الإعلان. فقلصت المسافة بين لوحة إعلانية وأخرى من 1000 متر الى 750 متراً، كما قلّصت المسافة التي يجب أن تبعد فيها اللوحة عن الطريق العام من 5 أمتار الى متر ونصف متر، وخفضت كلفة الترخيص التي تتراوح ما بين 2000 إلى 6000 دولار. لقد سعت وزارة الداخلية، بالتوافق مع هذه الشركات، إلى أن يواكب التعديل على المرسوم التغيير المأمول بيئياً وهندسياً وتقنياً. هكذا سافر وفد من وزارة الداخلية وبعض المختصين الى دبي، ثم عادوا بنماذج حديثة من اللوحات الإعلانية. طلب الوزير على أثرها إزالة المخالفات. لم يطل الوقت حتى حصل «الصدام» بين أصحاب اللوحات الكبيرة والصغيرة، ولم تفلح محاولة وزير الداخلية في إقناعهم بالبدء بإزالة اللوحات التابعة للشركات ذات الأقدمية». يتابع مدلج «اتفق الوزير وأصحاب الشركات على موعد محدد لإزالة اللوحات المخالفة، لكنهم لم ينفذوا. ظلّ يحاول، وبقوا يماطلون في التنفيذ، منذ شهر حزيران الماضي». ويكشف أن أحداً لم يكن مستعداً لتسوية وضعه القانوني، «وعندما شعروا بأن لوحاتهم ستزال بقوة القانون، هرعوا إلى التوسّط عند كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وبعض النواب».
لا تريد هذه الشركات بحسب مدلج، وهي أربع شركات كبرى تحتكر سوق اللوحات الإعلانية، تنظيم هذا القطاع لأنها ستخسر الكثير من حصتها. حتى إن البعض عرض مساعدة الوزير في الحملة الانتخابية المقبلة في حال سمح باستمرار الوضع على ما هو عليه، «وهذا ما لم ولن يحدث» برأي مدلج. إلا أن اجتماعاً عقد أمس بين نقابة شركات اللوحات الإعلانية وقائد الدرك بالوكالة جوزيف الدويهي، خرج فيه المجتمعون بالاتفاق على أن تتولى كل بلدية، في نطاق صلاحياتها، إزالة اللوحات الاعلانية المخالفة، في حضور مندوب عن وزارة الداخلية ومندوب عن إحدى الشركات الاعلانية المخالفة. كما جرى الاتفاق على أن تبدأ الشركات ذات الأقدمية بإزالة لوحاتها أولاً.
تسوية أوضاع هذه الشركات لن تمنع وزارة الداخلية من استحداث هيئة مستقلة لمنح التراخيص، تضم ممثلين عن وزارات البيئة والأشغال العامة والداخلية والبلديات، ونقابتي المهندسين والطوبوغرافيين. هكذا تحلّ الهيئة، بحسب مدلج، مكان البلديات في منح التراخيص، وخصوصاً أن شكاوى عديدة وردت الى وزارة الداخلية عن رشى وأعمال سمسرة تراخيص كان يقوم بها بعض رؤساء البلديات. الامر الذي يعتبره واحد من اصحاب الشركات الاعلانية، مخالفاً لمبدأ اللامركزية الادارية.