لم تعد الأحياء السكنية بمنأى عن انتشار محال ألعاب الميسر. «مركز تسلية» عبارة تحملها لافتات مضيئة باللغة الأجنبية تنتشر على طول الأوتوستراد من جبيل إلى بيروت، وإن كانت منطقة جونية تحتضن العدد الأكبر منها. مراكز التسلية هذه، لا تخلو من مخاطر تطال صغار السنّ، بعدما باتت «لعبة الكبار»، أو الفيديو بوكر، في متناولهم. وهذا ما يثير مخاوف الأهالي من احتمال إدمان أولادهم هذه اللعبة التي يحظر تشغيلها خارج كازينو لبنان. كثيرون منهم باتوا يشكون ارتياد أبنائهم لهذه المراكز القريبة جداً من أماكن سكنهم، ما دفعهم إلى إطلاق صرخة، على أمل تحرّك وزارة الداخلية والبلديات لتدارك تداعيات تفشي هذه الظاهرة.
لكن، هل قلق الأهالي مبرر؟ تبدو الإجابة واضحة عند القيام بجولة صباحية في هذه المناطق: واجهات محال مغلقة، تفتح فجأة من الداخل، لتخرج وجوه تبدو علامات الخسارة واضحة عليها... ومن بين الخارجين أطفال ومراهقون، يبحثون عن طريقة تعيدهم إلى منازلهم من دون كلفة مادية.
قسم من هذه المحال غير مرخص، أما القسم الآخر فيملك أصحابها تراخيص وهمية، أو أخرى تسمح لهم بتشغيل ألعاب محددة. إلا أن الواقع العملي غير ذلك، إذ تجري مخالفة القوانين بشكل فاضح. وعلاوة على ذلك، فإن المؤسسات الأمنية المعنية لا تقوم بواجباتها بمتابعة ما يحصل من مخالفات، فما من مداهمات ولا مراقبة، الأمر الذي دفع بأحد المواطنين إلى رفع أكثر من شكوى على أحد المخافر.
وهنا حال إحدى الأمهات، فأليس أم لشابين مراهقين تعيش خوفاً من «أن يتحوّلا ضحيتين للإهمال، خصوصاً أنّ هذه المراكز تجذب عدداً ممن هم في أعمار أولادي»، مطالبة وزير الداخلية بالتصدي لهذه الظاهرة التي جعلت ابنها «يضيّع الطريق إلى المدرسة، واكتشفت أنه يرتاد محل الألعاب القريب من المنزل، حيث ينعزل في عالم افتراضي ويمضي معظم وقته في لعب «الفيديو بوكر». مضيفة أن حالة ابنها ساءت إلى حد أنه أصبح «يسرق الأموال من محفظة والده». تضع أليس اللوم على الدولة «التي تسمح بوجود هذه المحال بالقرب من الأبنية السكنية وأعين الأطفال».
توافق ماري أليس في رأيها، خصوصاً أنها اكتشفت بدورها أن ابنها يقصد المحل نفسه سراً. تبدي خشيتها من أن يكبر ابنها «على ثقافة المقامرة». لذلك تناشد المسؤولين إقفال هذه المحال التي تبقى أبوابها «مشرّعة حتى ساعات الصباح الأولى مقلقة راحة السكان. فحماية القاصرين والمواطنين واجب على الدولة لما تسبّبه هذه المحلات من أضرار مادية واجتماعية».
عوامل عدة اجتمعت لتسهل الطريق على دخول جمال (16 عاماً) في حالة من الإدمان على ارتياد هذه المحال ولعب «البوكر» فيها. بداية، تواجد مركز التسلية في الطابق الارضي لمبنى قريب من ذلك الذي يقيم فيه جعله «يتردّد إلى المحل يومياً، وهو مكان يرتاده أشخاص من كل الأعمار. يتسمّرون أمام شاشات المقامرة الآلية والفردية بأوراق اللعب (الشدّة) المرسومة على هذه الشاشات». لم يسأله أحد عن عمره أو أية تفاصيل أخرى أو حتى كيفية حصوله على المال.
صديقه إيلي (14 عاما) يقصد المكان نفسه محاولاً استراق الدقائق بعيداً من أنظار والدته. يخرج من المنزل متذرّعاً بذهابه الى الدكان، فإذ به يلعب بمبلغ عشر آلاف ليرة سعيا منه لتحقيق الربح. في موازاة ذلك وبحسب صاحب احد المحال في منطقة جونية فإن «بعضها لا يزورها أيّ مدقّق لعدم وجود أعداد كافية من المفتشين»، كذلك وخلافاً للقانون المنصوص، فإن هذه المحال «تستقبل أشخاصاً من مختلف الأعمار، حتى من هم دون 21 سنة، وهي السن القانونية للدخول. كما تحتضن هذه الصالات موظفين هاربين من مراكز عملهم لنصف ساعة، سائق سيارة أجرة، طلاب مدارس وجامعات، عاطلين من العمل، أصحاب مؤسسات صغيرة، مدمنين سابقين على الرهان في سباق الخيل».
هي أقرب الى كازينوهات صغيرة، حيث من غير المفروض عليك لكي تدخلها أن تكون فاحش الثراء كما هي الحال في كازينو لبنان، فهي أماكن أكثر «شعبية»، تستقبلك كيفما أتيت، لتستقطب شريحة لا تتمكن من عبور أبواب الكازينو المذكور. أماكن ترحب بالجميع بمن فيهم الشريحة التي تعيش بالحد الأدنى وتهرع وراء أي فرصة تقودها إلى الثراء السريع رغم العواقب الوخيمة التي قد تنتج منها.
وأمام هذا الواقع، أشار وزير البلديات مروان شربل لـ«الأخبار» إلى أنه سيعمد إلى إقفال محال التسلية المخالفة المنتشرة على مختلف الأراضي اللبنانية. وقد أصدر قراراً سينفّذ خلال ستة أشهر يتعلق بضبط انتشارها العشوائي ويشمل طريقة الحصول على رخصة فتح مركز، محدّداً مجموعة ضوابط تنظيمية، منها ما يطاول أنواع الآلات المستخدمة، عددها، وتحديد دوام عمل هذه «الملاهي» بين السادسة مساء حتى منتصف الليل، إضافة إلى إبعاد مدخلها مسافة مئة متر على الأقل عن مدخل المؤسسات التربوية والمعابد والمستشفيات، ومنع دخول الأشخاص دون الخامسة والعشرين من العمر.
قرار شربل جاء بعد تبلّغه شكاوى لا تحصى من الأهالي نتيجة خوفهم على أولادهم. كذلك أكدّ أن «المشكلة لا تنحصر في منطقة واحدة فحسب، بل تمتدّ إلى عدد كبير من المناطق، وقد تبلّغت شخصياً شكاوى من إدارات المدارس والأهالي القلقين من تدهور سلوك أولادهم الذين باتوا يلوذون بألعاب «الفيديو بوكر»، ولا يتردّدون في سرقة ذويهم لتوفير المال للمقامرة».