في كتابها «امرأة غاضبة» الصادر حديثاً بالفرنسيّة، تراجع الباحثة والناشطة الجزائرية تجربة النضال النسوي في بلادها. نضالات لم تحسم حتّى الآن النقاش: هل المرأة فرد كامل الحقوق؟
الجزائر ــ سعيد خطيبي
في كتابها الجديد «امرأة غاضبة» («سيديا» ـــــ 2010)، تعيد وسيلة تامزالي فتح النقاش بشأن راهن النضال النسوي في الجزائر. تقرّ الكاتبة والمحامية والناشطة النسويّة الجزائريّة بفشل مساعي الحدّ من قمع المرأة اجتماعياً وسياسياً.
عرفت الحركات النسويّة في الجزائر خلال العقدين الماضيين هزات واضطرابات عديدة. فهي تتصدر فجأةً واجهة الاهتمامات الشعبيّة والإعلاميّة لفترة معيّنة، ثم تضمر سريعاً ومن دون مقدمات، وفقاً لجملة من المعطيات السياسيّة والتغيرات الإيديولوجية. فالنسويّة تبقى موضوعاً حساساً يرتبط ببعض الترسبات الفكرية، في بلد لا يزال يشهد اتساع سطوة الذهنية الدينية المحافظة.
تعتقد الباحثة سامية علالو أنّ أوّل معالم تكوّن وعي نسوي في الجزائر، جاء غداة التعديلات على قانون الأسرة عام 1984. تعديلات قلّصت من مكانة المرأة وحريتها، وقادت بعض النساء الحقوقيات والناشطات إلى الخروج لأوّل مرة إلى الشارع للاحتجاج، ما عرّض ثلاثاً منهن للسجن من دون محاكمة. استطاعت النساء الجزائريات من خلال تلك القضية، لفت انتباه المجتمع الدولي، والتعجيل بتأسيس شبكة «نساء في ظلّ قوانين المسلمين» (www.wluml.org) التي تبنّت قضيتهنّ. نضال أسهم في منح نساء بلد المليون والنصف مليون شهيد حضوراً في المنابر العالمية، وفي ملتقيات النسويّة الدوليّة.
لكنّ بداية الصحوة، بين منتصف الثمانينيات ونهايتها، جرت بسرعة، لتقاطعها الحرب الأهلية التي دامت عقداً من الزمن، وأعادت قضايا النضال النسوي إلى النقطة الصّفر. في هذا السياق، تتأسف وسيلة تامزالي لكون «التساؤل عن حقيقة كون المرأة فرداً كامل الحقوق لا يزال، للأسف، متداوَلاً».
النسويّة الرسميّة حوّلت نضالها لمصلحة الحملات الانتخابية
أعادت سنوات الإرهاب، وضغط الحركات الإسلاموية، فتح النقاش في مدى فعّالية التنظيمات المهتمة بالنضال النسوي. نضال تقسمه الأكاديمية صليحة بودفة، إلى ثلاثة أقسام. البداية مع النسويّة الرسميّة (أو الحكوميّة) التي تتجسد في الوزارة المكلّفة بشؤون الأسرة والمرأة، وعلى رأسها الوزيرة نوارا جعفر... إضافةً إلى بعض التنظيمات الجماهيرية التابعة لـ«جبهة التحرير الوطني». شيئاً فشيئاً، تخلّت هذه التنظيمات عن مفهوم النضال النسوي، لمصلحة اللهاث خلف خدمة مصالح الرئيس، وتنشيط الحملات الانتخابية.
في المقابل، نجد النسويّة العلمانيّة، وهي الشكل النضالي الأكثر حضوراً، والمتمثّل في بعض التنظيمات والأفراد على غرار وسيلة تامزالي، التي تقرّ بخيبة التجربة، خلال السنوات الماضية. نجدها تكتب: «ركّزنا اهتماماتنا على نسويّة تطالب بالمساواة في الحقوق، اقتصادياً وسياسياً، واعتقدنا أنّ العلمانية والديموقراطية وحدهما كفيلتان بالإقرار بحقوق المرأة. اعتقدنا أنّ التراكمات من شأنها أن تحقّق التغيير، وأنّ المنجزات الاجتماعية ستطوّر قضية المرأة». في «امرأة غاضبة» تشير الكاتبة إلى أنّ مختلف التغيّرات الحاصلة ما هي سوى مظاهر تخفي في العمق حقيقة مرّة. فـ«التطوّرات الاجتماعية التي نلتمسها ما هي سوى محاولة إعادة هيكلة للنظام البطريركي». ويظهر الكتاب أنّ النسويّة العلمانيّة فشلت في تحقيق الأهداف المرجوّة، في ظلّ تواصل انتشار النمط الثالث من النضال النسوي وهو النضال «الإسلاموي» الذي تتبنّاه بعض الأحزاب السياسية المحافظة وترعاه، مثل «حركة مجتمع السلم»، و«حركة النهضة» و«حركة الإصلاح».
أمّا النسوية الجزائرية الحرّة التي تتخذ من سيمون دو بوفوار (1908 ـــــ 1986) رمزاً لها، ومن كتاب «الجنس الثاني» (1949) إنجيلاً، فما زالت تبحث عن نفسها، وتعيش حالة تهميش. وبحسب قول تامزالي: «نحن نتعرَّض، تعرّضاً يومياً، للتهميش من طرف المسؤولين والقادة السياسيّين الذين يحاولون إبعادنا من الحياة الاجتماعية». وتختصر تجربتها على امتداد عقدين في النضال النسوي، في عبارة «من يزرع الحرية والمساواة، جنوبي البحر المتوسط، لن يحصد سوى الكره والوحدة». الوحدة وعدم المبالاة هما مصير مناضلات كثيرات حاولن التعبير عن رفضهنّ للأحكام الأحادية الجانب...


حرق ونفي

تطفو تجربة فرحاتي بركاهم على سطح النضال النسوي الجزائري. إذ نجت الباحثة من الموت عام 1993، بعدما أحرقت إحدى الجماعات الإرهابية «متحف نصر الدين ديني للفنون الجميلة» الذي كانت تديره. وجرى التعتيم على كتابها «عن التسامح في الجزائر» (2007) وفيه تعرّضت لمسألة عاملات الجنس. الأمر نفسه ينطبق على فضيلة مرابط، التي تواصل نضالها من منفاها الباريسي من خلال مقالات وإصدارات أدبيّة.