محمد خير في أيلول (سبتمبر) 1902، كتب الكابتن ألفرد ماهان في مجلة «ذا ناشيونال ريفيو» البريطانية: «سيحتاج الشرق الأوسط، إذا سُمح لي باستخدام هذا المصطلح الذي لم أره من قبل، يوماً ما إلى مالطا، وإلى جبل طارق أيضاً». قبل هذه الكلمات التي وردت في مقالة «الخليج الفارسي والعلاقات الدولية»، لم يكن اصطلاح «الشرق الأوسط» قد ظهر إلى الوجود. مع ذلك، فماهان ليس بطل كتاب «صناع الملوك» وإنما البطولة للشرق الأوسط نفسه. الكتاب الذي يطل بعنوان فرعي «اختراع الشرق الأوسط الحديث» كتبه كارل إي ماير وشارين بلير بريزاك، وصدرت ترجمته العربية أخيراً (فاطمة نصر ـــــ «إصدارات سطور الجديدة»، القاهرة).
يحكي الكتاب «حياة و«إنجازات» اثنتي عشرة شخصية كان لها أكبر الأثر في إبداع ما أصبح يعرف بالشرق الأوسط». هذه العبارة وردت على الغلاف الأخير للكتاب. وقد وضعت المترجمة كلمة «إنجازات» بين قوسين متخذة موقفاً نقدياً من بعض المقاطع. لم يغير هذا من متعة رؤية شرق أوسطنا بعيون المؤلفين. عيون بدت متعاطفة مع من «خدموا الإمبراطورية» على مدى قرنين، مشكّلين ما يعرف بالشرق الأوسط.
على مدى 600 صفحة من القطع الكبير، يضع المؤلفان حكايات الاستعمار والإمبريالية «في سياقها التاريخي». سياق يبدو متفهماً لسياسات ــــ وأحياناً ـــــ جرائم الجنرالات والجواسيس الذين تحكّموا بالشرق الأوسط، وفرضوا النفوذ البريطاني ثم الأميركي عليه.

حكايات الاستعمار «في سياقها التاريخي»
مثلاً، يشرح الكتاب كيف كانت العداوة الأوروبية للإسلام «تاريخاً حياً» بالنسبة إلى إفلين بارينغ أو اللورد كرومر، أول وأخطر مندوب سامٍ بريطاني حكم مصر فعلياً من 1883 إلى 1907. إذ كان الإسلام «العقيدة التي رأى كثير من الأوروبيين أنها مصدر غموض الشرق الأوسط وتهديده، وووجوده خارج التاريخ». و«كان دين الرسول قد ظل عدواً لدوداً منذ القدم حيث شاهد أجيال من الصغار في إنكلترا مسرحيات إيمائية تنكّرية ساخرة يظهر فيها محمد عدواً كافراً للقديس جورج الباسل الجسور». كان هذا هو المناخ الذي قدِّر فيه لكرومر الذي كان ـــــ وفقاً لوصف الرسام جيمس موريس ـــــ «رجلاً جاداً عميقاً مهيباً، النقيض التام للمصريين المرحين الهوائيين العاطفيين الذين لا يتميزون بالكفاءة العالية». على كل، ينقل الكتاب عن روجر أوين المستشرق وكاتب سيرة كرومر، أنّه في عام 1998 «وجدت مجموعة من الشباب المصريين طريقها إلى بلدة كرومر الصغيرة في إقليم نوفوك مسقط رأس إفلين بارينغ، سألوا أحد موظفي قسم الوثائق المحليين: أين دفن كرومر؟ ثم أضافوا: نريد أن نبصق على قبره».
من كرومر إلى بول وولفوفيتز نائب وزير الدفاع الأميركي إبان غزو العراق، مروراً بفلورا شو ومارك سايكس، تتدفق الحكايات عن «لعبة الأمم» في الشرق الأوسط، بل إن مايلز كوبلاند مؤلف الكتاب الشهير «لعبة الأمم» هو أحد أبطال الكتاب، بمغامراته و«خيالاته» أيضاً. كان كوبلاند «يتشكك في اعتقاد واشنطن أن الانتخابات الحرة هي الحل المفضل لمشاكل البلدان الأخرى». بل رأى كوبلاند أنه في معظم الأحيان، كان سيكسب انتخابات البلدان «النامية» أحد النمطين: سياسي سيعمل على عدم إجراء انتخابات حرة مرة أخرى، أو «زعيم دهماوي يطلق وعوداً لا يستطيع الوفاء بها (...) ثم يلقي بالمسؤولية علينا لفشله».