فيلم «الكبار» يضمّ كل عناصر الخلطة التي تميّز نوعاً معيناً من الأفلام السائدة... سذاجة وتبسيط ومواعظ، في خدمة خطاب رجعي بامتياز
عماد خشان
قد تكون بلادنا أرض الأنبياء، لكنّ المؤكد أنّ الولايات المتحدة هي بلاد المعجزات. خذ مثلاً مطاعم «ماكدونالدز» وطعامها الذي لا يؤكل، لكنّه يدرّ أرباحاً هائلة. معجزة أخرى، سينمائية هذه المرة: آدم ساندلر ممثل اسكتشات تلفزيونية سخيفة صار اليوم من أكبر الممثلين الكوميديين في أميركا والعالم.
في فيلمه الجديد «الكبار» Grown Ups للمخرج دنيس دوغان، يحكي ساندلر حكاية خمسة أصدقاء فازوا ببطولة كرة السلة حين كانوا طلاباً في القسم الثانوي. يفترق الأصدقاء بعدها ليلتقوا بعد ثلاثين عاماً للمشاركة في مراسم تشييع مدربهم الرياضي أيام المدرسة.
النموذج الأنجح للأسرة يعود إلى... عام 1950
ليني (آدم ساندلر) صاحب الشخصية القوية والمندفعة والهجومية، صار وكيلاً فنياً من أقوى رجالات هوليوود، وهو متزوج من مصممة الأزياء روكسان (سلمى حايك). ثاني أفراد الشلّة هو اريك (كيفين جايمس) الذي يدّعي أنّه شريك في مؤسسة للمفروشات، ومتزوج من سالي (ماريا بيلو). الصديق الثالث هو روب (روب شنايدر) النباتي المسالم والمتزوج (بعد طلاقه الثالث) من امرأة تكبره بثلاثين عاماً. الصديق الرابع هو كيرت ماكينزي (كريس روك)، الأميركي الأفريقي المتزوج من دايان (مايا رودولف) التي تعمل فيما يبقى هو في المنزل للاهتمام بالبيت والأطفال. الصديق الخامس هو ماركوس (دايفيد سبايد) الذي ما زال عازباً يطارد النساء.
آدم ساندلر هو ـــــ كالعادة ـــــ «أبو ملحم» السينما الأميركية: هنا، تعثر على القصص الخفيفة النظيفة، والمواعظ الأخلاقية، والأصدقاء المخلصين، والأشرار الخارجين من برامج الرسوم المتحركة. في الفيلم، يجتمع الأصدقاء مع عائلاتهم ليشاركوا في مراسم الدفن، وينثروا رماد مدربهم في البحيرة.
وبما أنّ تلك المناسبة الحزينة تتزامن مع اقتراب الاحتفالات من عيد الاستقلال الأميركي في الرابع من تموز (يوليو)، يستأجر ليني منزلاً بمحاذاة بحيرة ليقضي العطلة مع أصدقائه وأولادهم. وفي تلك العطلة، يكتشف الأهل أهمية العناية بأولادهم، وتكتشف الزوجات أهمية الاعتناء بأولادهن وأزواجهن بمقدار ما يعتنين بأعمالهن. جزء من رسالة ساندلر أنّ الأمهات والزوجات ما عدن كما كنّا في الزمن القديم والجميل الذي يحلم به ليني...
وكي تكتمل القصة، لا بد من صراع. فإذا بليني يواجه لاعباً من الفريق الذي غلبه مع رفاقه قبل ثلاثين عاماً ويدّعي ذلك اللاعب أنّ ليني قد غشّ في تلك اللعبة. هكذا، وكما توقعتم، فإنّ الأصدقاء يقررون، أثناء حفلة شواء عيد الاستقلال، أن يرفعوا التحدي الذي يطرحه خصمهم القديم، فإذا بالفريقين يتباريان من جديد.
وينتهي فيلم «الكبار» على وقع الألعاب النارية التي تحتفي باستقلال أميركا، وبصيرورتها دولة سيدة حرة مستقلة تصدّر نماذج على شكل آدم ساندلر إلى العالم، على أنّه مثال النجاح الفذ والمعجزة الأميركية! تلك المعجزة التي تعلمنا أنّ النموذج الأنجح للأسرة يعود إلى عام 1950، حين كان الأولاد يلعبون في الشارع، والزوجة الحامل في معظم الأوقات تعمل في المطبخ، وتنتظر زوجها كي يعود مساءً من عمله لتقدم له حذاءه المنزلي وعشاءه!
كل تلك الرجعية يقدّمها لنا ساندلر على خلفيّة يوم عيد الاستقلال، بأسلوب ليس هو جدياً ولا هو مضحكاً، لكنّه خال، في كلّ الأحوال، من الابتكار والإبداع. مع ذلك، فإن الشريط الذي يشبه نسخة سيّئة من أفلام الكرتون، درّ خلال شهر ونصف ما يقارب مئتي مليون دولار، ليكون مدخول آدم ساندلر منه خمسة وعشرين مليون دولار. ما همّ بعد ذلك إذا كان العمل لا يحمل أية قيمة فنية، باستثناء تذكيرنا بأنّ أميركا هي فعلاً أرض المعجزات التي تضع صور أنبيائها على أوراقها النقدية!

بلانيت طرابلس ـــــ للاستعلام: 06/442471