حتى الساعة، لم يهدأ الهجوم الذي شنّه أبناء مدينة فرشوط المصرية على مسلسل يحيى الفخراني. وتتمحور أغلب هذه الانتقادات حول الصورة التي قدّم فيها العمل الشيخ الشهير الذي وحّد القبائل ضدّ المماليك
محمد عبد الرحمن
صحيح أن مسلسل يحيى الفخراني الجديد يروي سيرة شخصية حقيقية. وصحيح أيضاً أن انتقادات عدة واجهت «شيخ العرب همّام». ولكن هذه المرة لم يكن الورثة هم مصدر هذه الانتقادات كما جرت العادة مع كل المسلسلات التي تناولت سير نجوم القرن العشرين. بل إن أهل الصعيد هم من اعترض اعتراضاً رئيسياً على محتوى العمل، وخصوصاً أبناء مدينة فرشوط التابعة لمحافظة قنا (جنوب مصر) الذين ينحدرون من سلالة الشيخ الشهير.
وكان لافتاً أن أبناء الصعيد بدأوا بمهاجمة العمل حتى قبل عرضه، ورفعوا دعاوى قضائية عدة مع انطلاق الحلقات الأولى. ويؤكّد هؤلاء أن العمل يُعدّ إهانة لهم وتجريحاً في سيرة جدهم الأكبر، مؤسس أول جمهورية مستقلة في الصعيد. إذ بقيت هذه الجمهورية بعيدة عن سيطرة المماليك طيلة أربع سنوات في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
المسلسل الذي كتبه عبد الرحيم كمال وأخرجه حسني صالح يتميّز، رغم الانتقادات، بالعديد من نقاط القوة: هو أولاً من بطولة نجم له جمهور عريض. كما يتميز بالسخاء الإنتاجي في الديكورات والملابس، وإن كان بعضهم انتقد الأزياء، مؤكّداً أنّها لا تشبه زيّ أهالي الصعيد قبل 300 سنة. كما صُوّر معظم الحلقات في الأماكن الحقيقية لحدوثها وباستخدام عدد وافر من الخيول والرجال. إضافة إلى أن الحقبة التاريخية التي تدور فيها الأحداث لم تقدَّم في الدراما المصرية منذ سنوات بعيدة. وما أسهم في نجاح العمل هو إجادة عدد كبير من الممثلين أدوارهم مثل صابرين، وعبد العزيز مخيون، وعزت أبو عوف، فلم يتّكل المسلسل فقط على براعة يحيى الفخراني.
مع ذلك، فإن نقاط ضعف عدة يمكن رصدها في «شيخ العرب همام» وأبرزها التركيز على العلاقة المتوتِّرة بين زوجتي شيخ العرب في الأحداث وهما صابرين، وريهام عبد الغفور، كأنهما تتعاركان على قلب حمادة عزو الشخصية الشهيرة التي قدمها الفخراني قبل ثلاث سنوات. وكان هذا الصراع العاطفي أحد العوامل الأساسية لغضب أهالي الصعيد على المسلسل قبل عرضه. يومها لاحظ أحفاد شيخ العرب همام بن يوسف أن هناك تركيزاً في العمل، على رغبة جدهم في الجمع بين زوجتين بحجّة الإنجاب. ثم جاء ظهور الزوجة الثانية بملابس المنزل في الحلقة الثانية من المسلسل ليزيد الطين بلة. إذ اعتبر الصعايدة هذا المشهد إهانةً لنسائهم اللواتي لا يجلسن في البيوت بهذا الشكل. كما أن تجسيد شخصية والد همّام بصورة سيئة، تصويره كأنه يكره النظافة أدى إلى ارتفاع وتيرة الانتقادات. وقال أهالي الصعيد إنّ المسلسل سيسبّب القلائل بين قبائل الصعيد بسبب الإهانة الموجهة للجد المؤسس لقبيلة «هوارة»، وهي أبرز قبائل المنطقة.

يمهد المسلسل لحدوث انشقاق بين القبائل في الصعيد
هكذا، يتبيّن أن الغضب لم يوجّه ضدّ الأحداث التاريخية التي يستعرضها العمل، بل ضدّ بعض الصفات الشخصية لشيخ العرب. من جهتهم، اكتفى صنّاع المسلسل بالردّ بأنّ استمرار عرض الحلقات كفيل بزوال انزعاج أحفاد الشيخ همام. وبينما ساند الباحثون والاختصاصيون في الشأن الصعيدي الأحفاد، أكّد الباحث محمود الدسوقي لـ«الأخبار» أن المسلسل لم يوفّق في عدد من النقاط، إن كان من خلال اختيار يحيى الفخراني لأداء العمل «لأنه لا يشبه الوصف الذي توارثه الأحفاد لجدهم من الناحية الجسمانية... كما أن شيخ العرب توفي وعمره 60 عاماً بينما يعرف الجميع أن الفخراني تعدى هذه السن بالفعل». كذلك يظهر شيخ العرب وهو يرغب بالزواج مرة ثانية من ورد اليمن بهدف الإنجاب «بينما الثابت تاريخياً أنه أنجب أولاده الثلاثة من زوجته الأولى صابحة» يقول الدسوقي.
مغالطة إضافية وقع فيها العمل وفق الدسوقي وهي أنّه قدّم شيخ العرب على اعتباره منتمياً إلى قبيلة «هوارة» بينما المعروف أنّ هذه القبيلة لم تكن سوى إحدى القبائل التي وحّدها الشيخ وقاد بها ثورته على المماليك. ويرجع الدسوقي هذه المغالطة إلى أن مؤلف المسلسل ينتمي هو نفسه إلى قبيلة «هوارة»، وهو الأمر «الذي يمهد لحدوث انشقاق بين القبائل في الصعيد إذا استمر التأثير السلبي للمسلسل».
واعتبر الدسوقي أن المسلسل يعيد تقديم شخصية الرجل الصعيدي كما اعتادها الجمهور في السنوات الأخيرة في مسلسلات عدة مثل «حدائق الشيطان» على اعتباره مجرد زعيم قاسي القلب يفكر في الرخاء والنعيم لنفسه ولعائلته أولاً. بينما شيخ العرب همام تحوّل كما يقول الدسوقي من «ملتزم يجمع الضرائب للمماليك إلى صاحب أوّل محاولة لإنشاء جمهورية مستقلة في الجنوب ونجح في التمرد على قادة المماليك وفي مقدمتهم على بك الكبير». ويضيف الباحث المصري أنهّ «لولا الخيانة، لاستمرت دولته ولتغيّر تاريخ مصر في هذه المرحلة التي سبقت وصول الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت».


غياب للمرة الأولى

للمرة الأولى، يغيب يحيى الفخراني (الصورة) في رمضان عن شاشة «التلفزيون المصري» رغم أنه اشترط على الشركة المنتجة «استديوهات الجابري» ضرورة عرض العمل على المحطات الرسمية الأرضية. غير أن خلافاً حول البنود المادية في العقد أدّى إلى عدم عرضه على «التلفزيون المصري»، فانفردت قناة «الحياة» بالعرض الحصري داخل مصر. وتردد أنّ المحطة دفعت حوالى ستة ملايين دولار لتمنع وصول المسلسل إلى التلفزيون الرسمي الذي رفض المضاربة، وفضّل الانتظار لعرضه بعد رمضان بأسعار أقل. بينما استسلم الفخراني للأمر الواقع، مكتفياً بالحملة الدعائية الضخمة للمسلسل وعرضه بعد أذان المغرب مباشرة على المحطة التي تتمتع بشعبية كبيرة بين المصريين.