بغداد ــ حسام السراي لم يكن مثقّفو العراق يتوقّعون هول الصدمة التي حلّت بهم في ذلك اليوم من 23 آب (أغسطس) 2008: في وضح النهار، ظهرت مجموعة قتلة بالمسدسات الكاتمة للصوت، وأردت شياع قتيلاً على جسر «محمد القاسم» في بغداد. تناثر دمه واختلط بأوراق آخر الكتب التي اشتراها من شارع المتنبي في طريق العودة إلى داره.
كان ممكناً أن يكون شياع أحد الذين يقودون النهضة في الوسط الثقافيّ العراقيّ اليوم، لكنّ الرصاصات التي أردته، قضت أيضاً على حلم عودة الكثير من المثقفين المهاجرين والمنفيّين إلى العراق. وكان الراحل يفكّر في مشروع يجمع بين الداخل والخارج. لكنّ النتيجة كانت أن بقي مشروعه مهملاً من دون تنفيذ أو إعادة قراءة، بعدما طرحه في مؤتمر المثقفين العراقيّين عام 2005.
وكيل وزارة الثقافة العراقيّة طاهر ناصر الحمود أشار إلى «أنّه كان يمكن الوزارة إحياء ذكرى الراحل بطريقة تليق بما قدّمه للعراق من خلال عمله في وزارة الثقافة»، لكنّ ذلك لم يحصل. واقتصر الأمر على تسمية قاعة باسم الراحل في دار الكتب والوثائق في بغداد، وإصدار دار «الشؤون الثقافية» كتاباً عنه يضمّ بعضاً من كتاباته وما كتب إثر اغتياله. هنا، يوضح الحمود أنّ هناك خطوات سيقوم بها مكتبه، «أولاها مفاتحة أمانة بغداد بتسمية شارع في بغداد باسمه، والإعلان عن جائزة إبداعيّة باسم الراحل تُطلق العام المقبل». فلننتظر إذاً!
أما عن متابعة وزارة الثقافة لنتائج تحقيقات الأجهزة الأمنية في الحادث، فيقول «لا تكاد تمرّ مناسبة إلا نسأل فيها المعنيين. حتّى إنّ وزير الثقافة ماهر الحديثي سأل وزير الداخليّة شخصياً عن ذلك، فكانت الإجابة بأنّه لا جديد في القضية».
الباحث ناجح المعموري رأى أنّ الذكرى الثانية لاغتيال كامل شيّاع تمثل فرصة للحديث عما حصل بعد عام 2003، موضحاً «أنّ استهداف الأدباء والمثقفين والجامعيّين والصحافيّين خطة واضحة لتأخير التحوّل الديموقراطيّ الحقيقي». ورأى أنّ «اغتيال الناقد والشاعر قاسم عبد الأمير عجام وكامل شيّاع لم يكن اعتباطاً. كان الاثنان يعملان في وزارة الثقافة، وما حصل لهما هو جزء من مخطط داخليّ لتعطيل المشروع الوطنيّ الديموقراطيّ، وإخضاع المثقفين وتحويلهم لساناً لتنفيذ المشاريع الخاصّة بالعشيرة والطائفة».
الشاعر كاظم الحجاج يرى أنّ «عودة شيّاع إلى العراق بحدّ ذاتها كانت تمثّل استشهاداً له، وخصوصاً أنّه كان يعلم مصيره ويتوجّس بأنّه لن يعيش طويلاً». ويضيف: «المشروع الذي قدّمه لم يقدّم في أي دولة عربيّة، وكان سهل التنفيذ لو حسنت نيّات المؤسّسة التي كان يعمل فيها. كان يشعر بأنّ هناك محاولات كبيرة لإزاحته من قبل رجال المؤسّسة نفسها (وزارة الثقافة) التي كانت مرتبكة ومخترقة بوضوح». ويختصر مشروع شيّاع بالآتي: «أراد أن يعيد البنية التحتيّة الثقافيّة والطبقة الوسطى التي دمّرها، منذ 50 عاماً في العراق، العسكر وانقلاباتهم».
الناقد علي حسن الفواز يرى أنّ «شياع لم يكن مثقفاً رسميّاً أو شعبويّاً بقدر ما كان نموذج المثقف العضويّ الجديد. كان يؤمن بأنّ دور المثقّف في إعادة تأهيل الحياة السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة وبناء مؤسسات يكفل عملية التحوّل الديموقراطيّ». غير أنّه ينظر إلى اغتياله الأليم وعدم كشف هوية قاتليه بأنّه «اغتيال لكلّ الآمال التي كنّا نطمح إليها في صناعة واقع عراقيّ جديد، يضعنا أمام أحلامنا ومستقبلنا». ودعا الفواز إلى «جعل ذكرى اغتياله مناسبة وطنيّة للمراجعة والوقوف أمام الدولة برمّتها التي يصفها العالم اليوم الآن بالدولة الفاشلة».
ما زال علي شيّاع عبد الله، شقيق كامل الأكبر، محتاراً في قضية اغتيال أخيه، مؤكّداً أنّ «الراحل كان على وئام وصلح مع الفئات والتوجهات السياسيّة». وترى عائلة كامل شيّاع في الجريمة «خلفيات سياسيّة، إذ لم تُتّهم جهة واحدة فقط، بل جهات عدة، وكلّها مرجّحة». ويضيف علي «ليس لدينا سوى الانتظار، عسى يأتي يوم تنكشف فيه الحقائق ونعرف الجناة». هذا كلّ ما تتمناه عائلة الراحل مع حلول العام الثاني على اغتياله. ويعرب علي شياع عن حزن مضاعف يشعر به: الأول حزن شخصيّ على رحيل أخيه، والثاني حزن على العراق الذي مُني بخسارة لن تعوّض ببساطة. ثم يروح يتذكّر اللحظات الأخيرة التي رأى فيها كامل قبل يوم واحد من الحادث. وعن قيام «مركز الصحافة الأوروبية» في بروكسل بتخصيص جائزة سنوية تحمل اسمه، علّق بمرارة: «يحزننا حقاً أن تكون أوروبا هي البادئة بتكريمه، وبتخصيص جائزة تحمل اسمه. أما كان الأولى بالمؤسّسات العراقيّة المختلفة أن تبادر إلى الاحتفاء به وإحياء ذكراه؟».