أعلنت «الأكاديمية» الشهيرة نيّتها تكريم السينمائي الفرنسي السويسري... لكنّ «الأنكل جان» لم يدل بدلوه حتّى الآن. كل الاحتمالات واردة، فلننتظر «المفاجأة»!
يزن الأشقر
لم يخيّب المعلّم جان ــــ لوك غودار (1930) أمل محبّيه. قبل أيام، أعلنت «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» التي تمنح جوائز الأوسكار، نيتها منح السينمائي الفرنسي السويسري جائزة أوسكار تكريمية عن مجمل أعماله، الى جانب السينمائيين فرانسيس فورد كوبولا وكيفين برونلو والممثل إلي والاش. لكن المشكلة كما كشفت صحيفة «هوليوود ريبورتر» أنّ اللجنة لم تتمكّن من الوصول إلى صاحب «بيارو المجنون» لتبليغه خبر التكريم الذي يقام في هوليوود في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. ومنذ الثلاثاء الماضي، باءت كل محاولات الاتصال به بالفشل. وجميع التكهنات تشير إلى أن المعلّم يتجاهل جماعة «الأوسكار»!
ليس مفاجئاً أن تمنح هذه الجائزة الرفيعة لأحد أهم السينمائيين من هم على قيد الحياة. لكن السؤال يطرح معكوساً: هل يمكن أن يقبل أحد آباء الموجة الفرنسية الجديدة، الجائزة ببساطة؟ في مشهد من فيلم غودار «الاحتقار»، يقول المنتج الأميركي جيري بروكوش لمساعده قبل أن يكتب شيكاً على ظهره: «كلما أسمع كلمة ثقافة، أخرج دفتر شيكاتي»، فيعلّق السينمائي الألماني فريتز لانغ الذي يشارك في الفيلم: «منذ زمن فظيع وليس ببعيد، كان النازيون يخرجون مسدساً بدلاً من دفتر الشيكات».
غودار الشهير بعدائه لهوليوود، وما يمثله إنتاجها من تنميط وتجارية مفسدة، قال مرةً إنّه يعتبر جوائز الأوسكار «المرادف السينمائي لحوادث الطائرات». والمخرج العجوز تجاهل جوائز عدة منحت له قبلاً. في رسالة وجّهها عام 1995 إلى «دائرة نقاد نيويورك السينمائيين» التي قررت منحه جائزة تشريفية، ذكر الأسباب العديدة التي تمنعه من قبول الجائزة وتتعلّق جميعها بهوليوود. وانتقد ستيفن سبيلبيرغ، وصاحب «مايكروسوفت» بيل غيتس، وحتى دائرة النقاد نفسها! ونصح بإرسال الجائزة إلى سينما بليكر ستريت حيث عرض فيلمه «على آخر نفس» لأول مرة.
وكان قد أرسل برقية الى مسرح لندن السينمائي الوطني الذي أراد منحه جائزة، يخبر القائمين فيه أن «تعطوا نقود الجائزة إلى أفقر شخص ترونه في الشارع، وتحدثوه عن الصور والصوت لتتعلموا منه أفضل مما تتعلموا مني، لأن الفقراء هم فعلاً من يخترعون اللغة».
منذ إعلانه موت السينما بعد فيلمه «نهاية الأسبوع» (1967) وهو لا يزال يثير الجدل مع كل عمل. مثقف سينمائي يكتب مقالاته باستخدام الصورة بدلاً من الحبر، وسلسلته «تاريخ السينما» مثال على ذلك. حتى في آخر عمل له «فيلم: اشتراكية» الذي عرض في «مهرجان كان» الأخير، أثار الدهشة بأن وضع الفيلم كاملاً مسرّعاً بصورة كبيرة في العرض الدعائي له، منتقداً حقوق المؤلف التي تمثّل هوليوود وجهها الرئيسي.

هوليوود أخرجت دفتر شيكاتها، و«بيارو المجنون» مختفٍٍ عن الأنظار

طوال المشوار الذي بدأه قبل نصف قرن، تعاطى غودار مع السينما كفنّ وفكر، معلناً القطيعة مع النمط الهوليوودي، وابتعد في مادته الفيلمية عن البنية السردية التقليدية. إعجابه بسينمائيين أميركيين كنيكولاس راي وصموئيل فولر، لم يضعه على الخط الهوليوودي الرئيسي، و«على آخر نفس» (1960) الذي أطلقه إلى العالمية، كان يحتوي على بعض الإشارات إلى هوليوود، فإذا به يؤرّخ لثورة سينمائية كانت من أبرز علامات الموجة الفرنسية الجديدة.
طبعاً، ليس سهلاً فهم سينما غودار. وجه إليه العديد من الانتقادات سواء من مخرجين كبار أو حتى من جمهوره، بتهم تراوح بين كونه «يصنع أفلاماً للنقاد» وهاجس «ادعاء الثقافة». نراه أحياناً كعازف جاز ماهر، أو كأستاذ جامعي، لكن سينما غودار بمراحلها المختلفة وبنزعاتها الأيديولوجية، كما يريدها، كأي فنان أو فيلسوف، لا تلتزم بالخط المستقيم.
إلى الآن، ليس من الواضح ما الذي سيفعله غودار. معظم متابعيه يتوقعون تجنبه الجائزة كالمعتاد، وإرساله خطاباً يلقن به الأكاديمية درساً. لو فعل ستكون هذه الخطوة استمراراً لنهجه في اعتبار السينما شيئاً بين الفن والحياة، لا يجب أن تعامل كسلعة فقط.