ككل عام يثير «مهرجان فلسطين الدولي للرقص والموسيقى» نقاشاً بين المتحمّسين له، وبعض الانتقادات التي تدور حول نخبويّته ومنزلقاته السياسية. هنا وقفة نقديّة على هامش دورته الأخيرة
حسام غوشة *
لم تمنع أنغام الفلامنكو الإسبانية، عدداً من الطلاب الجامعيين، في الدورة الثانية عشرة لـ«مهرجان فلسطين الدولي للرقص والموسيقى»، من الاحتجاج ولو عبر «فايسبوك»، والاعتذار عن عدم حضور الحفلة «العظيمة» لأنّهم ليسوا من «الإيليت» (النخبة). هذا ما قاله الطالب الجامعي ضياء حروب على صفحته الخاصة، معرباً عن صدمته بسعر تذكرة العرض التي بلغت 30 شيكلاً (8 دولارات)، فيما يصل سعر عروض أخرى إلى 60 شيكلاً (16 دولاراً). وتوسع الاحتجاج ليتبادل بعض الطلاب الموضوع على «فايسبوك». وهو ما يعيدنا إلى النقاش السنوي حول «مهرجان القدس» الذي تنظمه «مؤسسة يبوس للإنتاج الفني» بدعم من القنصلية الفرنسية في القدس المحتلة ... ويطغى على جمهوره برأي كثيرين طابع نخبوي وحضور أجنبي واضح.
انطلق المهرجان في 19 الجاري، وطافت الفرق المشاركة على مدى خمسة أيام في بعض محافظات الضفة الغربية (مع عرض واحد في حيفا للفرقة الجورجية). لكن لم يخل البرنامج هذا العام من رسالتين غير بريئتين: الأولى تختزل الصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي بالحقوق الإنسانية. إذ إن الشعار الرئيس لهذه التظاهرة الثقافية يدعو إلى ترشيد استهلاك المياه، فيما يعلم الجميع أن المستوطنين يسرقون مياه الفلسطينيين. أما الرسالة الثانية فهي دعوة مديرة المهرجان إيمان حموري، الفرق العربية إلى القدوم إلى فلسطين من دون أن تأخذ في الاعتبار قرارات مقاطعة إسرائيل، وخصوصاً في ظلّ تحكم سلطات الاحتلال بالحدود والتأشيرات. وهذه الدعوة تصبّ في النهاية، مهما كانت نيات مطلقيها، في خانة التطبيع الثقافي تحت شعار كسر الحصار، فضلاً عن استضافة المهرجان هذا العام فرقة «بوني أم» الشهيرة التي تجنبت بحنكة، أو ربما بطلبٍ من الجهة المنظمة، تقديم أغنيتها الشهيرة «ريفرز أوف بابيلون» (أنهار بابل). وتقول كلمات الأغنية «لقد بكينا عندما تذكرنا صهيون... فكيف لنا أن نغني أغنية الرب في أرض غريبة». وهنا يبرز سؤال آخر: ألا يعرف منظمو المهرجانات الفلسطينية خلفية الفرق المدعوة؟
ارتفاع أسعار البطاقات يقفل أبواب المهرجان بوجه الجمهور الفلسطيني
ربما لم تدرك مديرة المهرجان إيمان حموري في المؤتمر الصحافي الذي عقد في رام الله للإعلان عن انطلاق المهرجان، أنها أساءت إلى الفرق العربية حين قارنتها بالفرق الأجنبية، قائلةً: «القادمون من الفرق العالمية جاؤوا أساساً للتضامن مع شعبنا الفلسطيني... فيما عدد من الفرق العربية الشهيرة رفضت القدوم لأسباب مادية». كذلك لم تدرك أنّ السفارات الأجنبية التي تدعو الفرق الأجنبيّة وتتحمّل نفقاتها، تحرّكها بلا شك أجندات محددة لا علاقة لها بـ«كسر الحصار»، حسب الموال الذي تردده رانيا إلياس وسائر مسؤولي «مهرجان القدس»... المهرجان الذي يقام منذ أكثر من عشرة أعوام في شارع صلاح الدين، على أنقاض قبور السلاطين الصليبية التي تُعدّ من أهم «الأملاك الفرنسية في القدس»، يطغى عليه حضور الأجانب والقنصليات وبعض أبناء النخبة، (وحتى بعض الإسرائيليين الذين يأتون إليه من غرب القدس المحتلة)... فهل يخدم فعلاً القضية الوطنية الفلسطينيّة، وأهل القدس ومستقبل مدينتهم؟ هل يحميها من مخططات التهويد الزاحفة؟
يذكر الجمهور جيداً زلة لسان رانيا إلياس التي صرّحت بأنّ «الفرقة التركية «كاردس تركلير» اعتذرت عن عدم المشاركة بسبب توتّر الأوضاع السياسية بين تركيا وإسرائيل بعد مجزرة «أسطول الحريّة»»! هل نفهم أن الفرقة التركية، قاطعت «مهرجان القدس» بصفته إسرائيلياً؟
* مسرحي وناشط ثقافي من القدس