وضع «اتحاد الكتّاب اللبنانيين» الذي عرضناه في عدد السبت، أثار ردود فعل مختلفة، بينها موقف الأمين العام الحالي غسان مطر الذي ننشره هنا على حدّته، توخياً للنقاش الحرّ
غسان مطر
ليس دفاعاً عن نفسي، رغم ما أصابني من رصاص «الغيارى» على «اتحاد الكتّاب اللبنانيين». وليس نفياً لتقصير، أو إنكاراً لما يعانيه الاتحاد من خلل في البنية، وقد أكدت ذلك في أكثر من مقابلة وبيان وتصريح. وليس ردّاً على أقلام لا تتقن إلّا الشتيمة، بل لوضع الأمور في نصابها، وإعلان الحقائق بموضوعية، بعدما تبيّن لي أنّ الحملة المسعورة على اتحاد الكتّاب لا تهدف إلى الإصلاح، بل إلى التشهير والافتراء.
ولهذا أسأل: أين كان هؤلاء المتزاحمون اليوم على نعي الاتحاد طوال السنوات الماضية؟ ولماذا لم يسألوا مرّة واحدة عن حاله، أو يقدّموا مشروعاً ولو متواضعاً لإصلاح الخلل فيه؟ وإذا كان الاتحاد جثة كما يزعمون، فلماذا ينهشونها، ولا ينهش الجثث إلّا الغربان الجائعة؟ وأين مساهمات هؤلاء في الإبداع الذي عليه يتباكون، لكي يكون لنقدهم قيمة وتأثير؟ نعم، «اتحاد الكتّاب اللبنانيين» مصاب بأكثر من عطب. لكنّه، بالإمكانات الضئيلة المتوافرة، حاول أن يكون حاضراً في كلّ الأنشطة الثقافية على مساحة لبنان، وفي كل المؤتمرات والندوات على المساحة العربية، فنجح في أن يظلّ المؤسسة الثقافية الوحيدة المستقلة استقلالاً تاماً عن أي وصاية، رغم الاتهامات الباطلة التي تدّعي أنّه تابع للسلطة أو للأحزاب الفئوية، أو أنّه يشكّل «رافعة ثقافية» للرئيس نبيه بري. وأنا، من موقعي، أتحدّى أيّ سلطة أو فئة أو حزب أن يعلن أن له وصاية أو دوراً في حركة «اتحاد الكتّاب اللبنانيين» ونشاطه، إلّا إذا كان التنسيق بينه وبين المؤسسات الثقافية الأخرى يعدّ تنازلاً عن الاستقلالية.
أما القول بأن الاتحاد لم يعالج «الورم الذي يعانيه» كما وعدتُ يوم انتخبتُ أميناً عاماً له، فقول مردود لأن الحقيقة هي أن الاتحاد علّق عضوية أكثر من نصف أعضائه بسبب عدم التزامهم بنصوص النظام الداخلي، وطالبهم بطلبات انتساب جديدة تدرسها الهيئة الإدارية وتقبل مَن تقبل، وترفض مَن ترفض استناداً إلى الشروط المنصوص عليها في القانون الأساسي.
أما الحديث عن غياب الاتحاد عن معرض الكتاب السنوي، فحديث فيه جهل وافتراء لأن الاتحاد أقام من ضمن نشاطات معرض الكتاب ندوة حول «اللغة العربية وأزمة القارئ» وأمسية شعرية لأمينه العام. أما «الغياب الأكبر» عن فعاليات «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، فيهمّنا التوضيح أن هذا الغياب كان بقرار وليس نتيجة رغبة في الغياب. فعندما تشكّلت الهيئات المشرفة على نشاطات المناسبة، عُيّن الاتحاد عضواً في هيئة المستشارين، لكنّ هذه الهيئة لم تُسْتشَرْ في أيّ أمر. ولقد أثرنا مع سوانا من أعضاء الهيئة هذا الموضوع مع الوزير السابق تمام سلام، ثم مع الوزير الحالي سليم وردة، وكلاهما وعد بإصلاح الأمور، لكنّ شيئاً لم يحصل، فكان قرار الاتحاد رفض المشاركة كشاهد زور على ما يحصل من نشاطات لا طعم لها ولا أثر. كما أننا تقدمنا بأكثر من اقتراح لتفعيل فعاليات هذا المهرجان، ولإبقاء ما يدلّ عليه بعد انتهائه، فقوبلت اقتراحاتنا بالمماطلة واللامبالاة. وعندما نعود اليوم إلى ما أنفقته المنسقيّة العامة من ملايين الدولارات وإلى نوعية النشاطات التي أقيمت، نعتزّ بأننا لم نشارك في هذه الفضيحة التي اسمها «بيروت عاصمة عالمية للكتاب». ثم كيف يكون غائباً عن الحدث الثقافي مَن أقام «مهرجان الشعر العربي الأول» الذي استضاف شعراء من كل الدول العربية، وأقام الأمسيات في مناطق مختلفة من لبنان، مترافقة مع ندوات حول أزمات الثقافة في الوطن العربي؟ ومَن عقد مؤتمر «القدس في العقل والقلب»، ومعه معرض عن القدس لأهمّ الرسامين والمصوّرين العرب والأجانب؟ ومَن رعى ونسّب إلى الاتحاد كوكبة من المواهب الشابة التي تحمل الشعلة وتجدد الدم في شرايين الاتحاد، وطبع كتبها وقدّمها للقارئ اللبناني والعربي على أنها الوعد الآتي؟ ومَن أقام الندوات حول «الثقافة العربية في عالم متغيّر» وحول «الإعلام في تعزيز السلم الأهلي»؟ ومَن ساهم في تكريم باقة كبيرة من أهل اللغة والشعر والإبداع؟ ومَن شارك في افتتاح «مؤتمر المجلس العالمي للغة العربية»؟ ومَن أقام أكثر من مئة نشاط من الجنوب إلى عكار إلى البقاع إلى الجبل؟ وإذا كنّا نكتفي بهذه الإشارات لأنّ المجال لا يتّسع للتوسّع والتفعيل، فلكي يرعوي أهل الأقلام السامّة ويكفّوا عن البكاء والنحيب والنعيب.
يبقى الحديث عن متابعة شؤون ضمان الكتّاب وحقوقهم، فإنّني أحيل المهتمين إلى وزراء العمل والثقافة منذ سنة 2006 حتى اليوم ليعرفوا أن هذا الهم لم يغب يوماً عن بال الهيئة الإدارية. وبعد هذا كلّه، يكتب أحدهم أن الاتحاد «صمّ أذنيه وكمّ فمه عن السجالات الساخنة التي شهدها البلد من فكرية وثقافية وسياسية ووطنية». ويبدو أن هذا الكاتب النِّحرير لا يقرأ، أو أنه إذا قرأ فهو لا يعي ما يقرأ، وإلّا لكان عاد إلى عشرات المقالات والمواقف التي أصدرتها الهيئة الإدارية لاتحاد الكتّاب اللبنانيين حول كل موضوع فكري وثقافي وسياسي ووطني. أما اكتفاء غسان مطر بإلقاء «كلمة خجولة» تضامناً مع مجلة «الآداب» ضد فخري كريم، فغسان مطر بحاجة إلى درس من الأستاذ فراس الشوفي حول أصول «الكلمة الشجاعة»، لكي يعتمدها في أي موقف تضامني قادم. أعود فأكرّر أن هذا الكلام ليس دفاعاً عن نفسي أو نفياً لتقصير. إنه دفاع عن جنود مجهولين، حملوا الاتحاد في قلوبهم وعقولهم وعلى أكتافهم، وأبقوه حاضراً وفاعلاً، وإلّا لما كانت هذه الحماسة في الإقبال على الترشّح لقيادته.
هؤلاء الجنود، هم الذين أضاؤوا شمعة، فيما اكتفى الآخرون بلعن الظلام. ونأمل من «الغيارى» أن ينضمّوا إلى هؤلاء في العمل والعطاء، بدلاً من التلطّي بالغيرة على الاتحاد لإفراغ ما في نفوسهم من أحقاد لا تبني ثقافة أو تنقذ مؤسسات.