يتقاطع الشعبي والنخبوي، في استعادة «أوركسترا طرب» لأغنيات فيروز من أعمال زكي ناصيف وفيلمون وهبي. الليلة، على «مسرح بابل» البيروتي، تختتم المجموعة السوريّة محاولتها الناجحة لمقاربة أداء غير قابل للنسخ
هالة نهرا
«فيروزيّات» عنوان ثلاث أمسيات احتضنتها خشبة «مسرح بابل» بالتعاون مع «وزارة الثقافة السورية»، وتختتمها «أوركسترا طرب» مساء اليوم بقيادة ماجد سراي الدين. لم تكن هذه الأوركسترا بدايةً إلّا عبارة عن «تخت شرقي» يتكوّن من ستّة عازفين سوريين. أمّا اليوم، فتشتمل على سبعين موسيقيّاً يتناوبون على العزف والإنشاد.
العنوان مطابقٌ لبرنامج الحفلات الموشوم بالذاكرة. أعمال لفيلمون وهبي وزكي ناصيف، وجمل مقامية عربية أدّتها فيروز، فخلّدتها. ما صمَّم الفريق المتجانس على تقديمه في بيروت، ليس سهلاً. لعلّها المهمّة الأصعب والأكثر تطلّباً خلافاً للاعتقاد الشائع. إنها خطوطٌ تقوم على بساطة المركّب، في توجّه يصل بين الشعبي والنخبوي، وبين العربي التقليدي والحداثي. طربٌ لبناني عصري ونوعي يتكتّل في وحدةٍ فنّية لا غيمَ فيها. تقاطيع نُسجت على نول الراست والبياتي والكرد والهزام والصبا والنهاوند والحجاز، وغيرها من المقامات المكوّنة من سلالم مختلفة ومتراكبة أو متداخلة.
تستحضر الأوركسترا هذه الأعمال المعمّرة في ظلّ سهو موسيقي عربي عام. نغماتٌ ما زالت نضرة ومستحدثة رغم قِدَمها النسبيّ. يضمّ الريبرتوار «ليليّة بترجع يا ليل» و«أنا خوفي» و«ورقو الأصفر» و«بليل وشتي» و«طلعلي البكي» و«إسوارة العروس» (ألحان فيلمون وهبي). تتخلّله أيضاً «أهواك» و«راجع يتعمّر لبنان» و«يا عاشقة الورد» و«حبايبنا» و«طلّو حبابنا» و«اشتقنا عا لبنان» (ألحان زكي ناصيف). أغنيات ناصيف ووهبي يؤديها ريبال الخضري وميرنا قسّيس وليندا بيطار، بمرافقة الأوركسترا المصغّرة والمؤلّفة من الكمان (أنس سراي الدين)، والفيولا (مثنى العلي) والتشيلّو (صلاح نامق) والقانون (ديما موازيني) والعود (بيان رضا) والناي (إبراهيم كدر)، إضافةً إلى الإيقاع (جمال السقا) والكيبوردز (مأمون شمدين) والكونترباص (مروان البخاري).
ما يميّز ريبال الخضري هو صوته المطواع الذي يدلّكه اليوم بزيت التجربة في معترك الغناء الفيروزي.
وقد حاز الجائزة الأولى في «ملتقى الأصوات الجميلة» (2010) الذي نظّمه «المجمع العربي للموسيقى» في جامعة «الروح القدس ـــــ الكسليك». فائزٌ هو أيضاً بالجائزة الثانية في «مهرجان الموسيقى العربية» في «دار الأوبرا المصرية». تفوّق في حقل الغناء الارتجاليّ العربي، ما خوّله المشاركة غناءً مع أوركسترات وفِرَق عربية وعالمية متنوّعة (في الأردن وتونس وتركيا والصين
وألمانيا).
أمّا ميرنا قسّيس، فطالبة في «المعهد العالي للموسيقى» في دمشق. تتخصّص في الغناء الكلاسيكي، مسهمةً في إغناء نشاطات المعهد الغنائية المتأرجحة بين الغناء المنفرد والجماعي.
ولدى التوقف عند ليندا بيطار، لا بدّ من الإشارة إلى احترافيّتها وقماشتها الصوتية الأخّاذة. لها عدّة مشاركات «صولو» بارزة مع كبار الموسيقيين، أكانوا مؤلّفين أم مطربين متمرّسين: صباح فخري ونوري اسكندر وطاهر مامللي، على سبيل المثال.
هذا الثلاثي الصوتي مثّل محور الحدث. تمارين وآليّات تقنيّة طويلة ودقيقة صُبّت في إطارٍ غنائي وتعبيري متقن ومختزل، في سبيل ملامسة أسلوب فيروز. لعلّها عملية مشوّقة وشائكة ترتكز على المحاكاة والتأثّر أكثر من اعتمادها على النقل الحرفي الميكانيكي. فمَن يقلّد فيروز يقع حتماً في شركٍ نُصب له. لا مثيل لفيروز. حبالٌ صوتية لن تتكرّر، وطاقةٌ استثنائية وذكاء أسلوبي. من هنا كان الاشتغال على صيغةٍ تستشفّ روحيّة الغناء. فأن تغنّي اليوم لفيروز يعني أنّك مستعدّ للمراهنة والخسارة أحياناً. رهانٌ على المؤدّين أنفسهم، في مغامرة ملتحّفة أساساً باستعادةٍ تشابه التحيّة الفنّية. بهذا المعنى، يتوقّف مجمل الأمر على مقاربة المايسترو السوري ماجد سراي الدين لنتاج وهبي وناصيف، ربطاً بأداء فيروز غير القابل للنسخ. فهل تعدنا «أوركسترا طرب» بقراءة لمّاحة وجريئة بعيداً عن المتداوَل في «فيروزيّات»؟

8:30 مساء اليوم ـــــ «مسرح بابل». للاستعلام: 01/744033


عمّار الشريعي

في كانون الثاني (يناير) 2010، قدّمت «أوركسترا طرب» على مسرح الأوبرا في دمشق أمسية تكريمية لميادة الحناوي استعادت فيها بعض أعمال هذه المطربة السورية. يومها، قال الموسيقي وقائد الأوركسترا ماجد سراي الدين إن الحناوي «فنانة من أعلام الموسيقى العربية وحقّقت حضوراً لافتاً محلياً وعربياً»، مضيفاً إنّ «أوركسترا» طرب «تقف إلى جانب مثيلاتها من الفرق الموسيقية كحارس أمين على أصالة الطرب العربي». وأوضح ماجد سراي الدين أن المشروع القادم لـ«أوركسترا طرب» سيكون ببعث موسيقى المؤلف والناقد الموسيقي المصري المعروف عمّار الشريعي.