يحتفي الكاتب بالمكان بطريقة استعاديّة، من دون أن يغفل كيف صار تشويه المكان تشويهاً للذات العراقيّة. ها هو يستقدم المكان المخرّب، ثمّ يخلق آخر، هو بمثابة حلم يجابه الواقع المؤلم. يمرّ بنا النصّ على ساحة النصر، والشماعية، وباب الشيخ، ثمّ يحطّ في مملكة على غلاف أحد الكتب المعروضة في شارع المتنبّي.
تصبح الحرب عنواناً عريضاً للمأساة في النصوص. نقرأ الانهيار الاجتماعي مثلاً في قصّة زوجة جميلة وزوج أسير، تبتزّهما الأقدار وتُقفل قضية اغتيالهما من ضابط يحوك القصة. في نص «نزار قباني»، يكتب عبد السادة مسعاه للإفلات من سرد الحرب. «لم أفهم كلمة واحدة من رواية «الحرب والسلام» لتولستوي التي أرسلها أبي قبل شهور (...) آمل أن يجلب لي ساعي بريد الجبهة ديواناً لنزار قباني».
علي عبد السادة... علاقة قلقة بالزمن في زمن الحرب
يفتتح عبد السادة الجزء الأخير من الكتاب بمقولة لمانديلا: «كانت هناك لحظات عديدة ومظلمة اختبرت فيها ثقتي بالإنس، لكنّني لم أترك نفسي لليأس أبداً... ذلك يعني الهزيمة والموت». ثمّ يضع عبد السادة بغداد في طابور أمام جورج غروسمان، آكل لحوم البشر الذي أرهب ألمانيا في العشرينيات. يوثّق السرد الصور المعتمة التي لازمت المكان العراقيّ، ثمّ يختتمها قائلاً: «من علامات موت المدن أن سكيناً صغيرة تصاب بالشيزوفرينيا».