أسدل الستار أوّل من أمس على الدورة الخامسة من مهرجان Doc à Tunis الذي يواصل سعيه لإعادة الاعتبار إلى هذا النوع الفنّي، بتجاربه الحارقة وأسئلته الراهنة
تونس ــــ سفيان الشورابي
الوثائقي في تونس بخير؟ الإجابة قطعاً لا، ما دامت هناك أزمة بنيوية تصيب السينما التونسية، وتمتد أعراضها إلى الفيلم الوثائقي. لكنّ المفارقة أن جمهور الوثائقي إلى ازدياد. هذا ما يمكن ملاحظته من الدورة الخامسة من «اللقاءات الدولية للفيلم الوثائقي في تونس» التي اختُتمت أول من أمس. ستون شريطاً من 20 دولة توزّعت، تحت شعار «المتوسط هو المركز»، على شاشات «المسرح البلدي»، ودار الثقافة «بن رشيق»، و«مسرح الفن الرابع». وهذا العنوان العريض يعكس الاتجاه العام للجمعيّة المنظّمة «ناس الفن» التي تشرف عليها سهام بلخوجة المتوسّطيّة المشاغل والاهتمامات.
وعرف «وثائقيات في تونس»، محطات مهمّة هذا العام، مستضيفاً سينمائيين مميّزين أمثال رضا الباهي وعمر أميرالاي ورشيد مشهراوي ونصري حجاج وزينة دكاش... إضافةً إلى مشاركة المحطّة الفرنسية ـــ الألمانية arte. كما أثمرت الشراكة بين «ناس الفنّ» وDox Box المهرجان السوري لسينما الواقع عن أعمال مميّزة ضمّها البرنامج. وقد نجح هذا الموعد التونسي في إعطاء فرصة حيويّة للسينما الوثائقيّة كي تصل إلى جمهور تحول دونه عقبات كثيرة، أولاها غياب شبكات التوزيع. فمن نافل القول إن الصالات التجاريّة تضيق بهذا النوع من الإبداع، فضلاً عن التلفزيونات العربيّة، مع بعض الاستثناءات طبعاً.
تنوّعت ثيمات هذه الدورة: أفلام عن شخصيات سياسية وأدبية (محمود درويش، نوري بوزيد، ليلى شهيد...) وقضايا سياسية راهنة (معاناة الفلسطينيين..) واجتماعية (تراجع عدد الدكاكين الصغيرة نتيجة هيمنة المتاجر الكبرى...) وثقافية سياسية (أزمة الرسوم الدنماركية)...

«كان يا ما كان» لهشام بن عمّار عن النابغة التونسي الصغير عازف الكمان

لكنّ أفلام هذه الدورة نظرت إلى البحر المتوسط... لتبكيه! مهد الحضارات القديمة صار اليوم حلبةً للصراعات والحروب والتمييز بين سكان ضفتيه. في «كورس الرمال»، تناول التونسي زين العابدين حمدة حكايات أوروبيين، فرنسيين وإيطاليين خصوصاً، ولدوا في تونس وانخرطوا في كورس ترتيل ديني في «كاتدرائية تونس». وبعد استقلال البلاد، هاجر هؤلاء وتفرّقت مصائرهم، قبل أن تنجح مجموعة منهم عام 1971 في استعادة نشاطاتها. فيما تناول محمد الزرن في شريطه «زرزيس» نمط عيش سكان تلك المدينة الصحراوية وتعايش يهود المدينة التونسيين بسلام مع أهاليها.
ويبقى «كان يا ما كان» للتونسي هشام بن عمار الأبرز في المهرجان. في 2007، اكتشف بن عمار الصبي أنس (12 سنة) الذي يجيد العزف على الكمان. هكذا، لاحقت كاميرا بن عمار طيلة عامين الصبي النابغة. لكنّ الفيلم هو أيضاً مرآة لتونس بتناقضاتها: صورة أسرة من الطبقة الوسطى منفتحة على الغرب لكنها متشبّثة بقيمها المحافظة.


في إطار التعاون بين Dox Box و«وثائقيات في تونس»، ضمّت برمجة هذا الأخير مجموعة من مختارات الدورة الثالثة من «أيام سينما الواقع» التي أقيمت في دمشق خلال الشهر الماضي، ما أغنى البرمجة التونسيّة بأفلام متميزة من العالم مع ترجمة عربية.