تقدّم المحطة التركية الجديدة برمجة منوّعة وغنيّة. ويبدو أنّ الإعلام العربي يواجه هذه المرة منافسةً حقيقيةً في ملعبيه الأهمّ: الدراما والموسيقى
القاهرة ــ محمد خير
تتوجه العاملة إلى زميلتها لتخبرها أن المدير يطلبها. تتوجه الزميلة الجميلة إلى المدير الذي يطلب منها نقل أغراض إلى المخزن، طبعاً كي يتحرش بها. لكنها تثور وتضربه أمام الجميع وتترك العمل. المشهد السابق ليس من فيلم عربي بالأبيض والأسود، بل من مسلسل ملوّن وتركي، مدبلج إلى العربية أو العامية الشامية. العمل هو «الربيع الآخر» الذي تعرضه «تي أر تي التركية». أما الأحداث، فتكشف أن المشاهد العربي لن يغترب في الفرجة، ولن يتغيّر عليه شيء باستثناء مناظر طبيعية أكثر سحراً. وإذا كان مهنّد أصبح نجماً شعبياً عبر mbc ، فلمَ لا يأتي الأتراك بمادتهم إلينا بلا وسيط؟
تكرار اسم إسطنبول عنواناً للعديد من البرامج
أطلقوا إذاً قناتهم ليلحقوا بركب الإعلام المتوجّه إلى المنطقة العربية. فضائيتهم حكومية كمثيلاتها الروسية، والأميركية، والفرنسية، ما يضع السياسة ركناً أساسياً في تناول تلك المحطات. من لحظات بثها الأولى، تبدو المحطة الجديدة عازمة على استعادة الموقع التركي في الوجدان العربي، واللحاق بالمسافة التي سبقتها فيها «الحرّة» وأخواتها. تسلك في ذلك مسالك متعددة، أبرزها تكرار اسم إسطنبول عنواناً للعديد من البرامج. البرنامج الصباحي اسمه «صباح الخير من إسطنبول»، ثم هناك ساعة سياحية مع «جولة في إسطنبول». أمّا الفعّاليات الثقافية، فيقدمها برنامج «من إسطنبول». وليس ذلك بالطبع فَقراً في الأسماء بل ترسيخ لاسم العاصمة السياحية والتاريخية لتركيا، واستبعاد للعاصمة الرسمية أنقرة. وفي هذا السياق دلالة توحي بلجوء المحطة إلى الإرث التاريخي جسراً للتواصل مع العالم العربي، موقع النفوذ العثماني القديم.
وبعيداً عن العواصم، تقدّم المحطة برنامجها المسائي الحواري بعنوان «قهوة تركية»، وهو استخدام بديهي لما يحمله الاسم من دلالات، كمعبر إلى معنى الجلسة الحميمة. لكنّ القناة تبالغ فتسمّي برنامج الطبخ «مطبخ القصر»، وتسمّي البرنامج النسوي «السيدة الأولى»، حتى يتوقع المشاهد أن يطلّ «أفندينا» من الشاشة. لكن ثمة برامج أخرى يمكن توقّع نجاحها، أهمها «شاهد على التاريخ»، و«موسيقى في الحي الشرقي».
قبل انتشار استخدام الإنترنت، كانت كلمة القنوات التركية تعني شيئاً واحداً للمشاهد العربي. لنقُل إنها كانت الوسيلة الوحيدة لتفريغ الكبت الجنسي، أو لزيادة ذلك الكبت حسب وجهة النظر. أما الآن، فدخول الأتراك سوق الإعلام العربي يزيد رافداً جديداً يمثّل خطورةً على منافسيه العرب أكثر من غيره. يدرك الأتراك نقاط قوتهم، فلم يجعلوا قناتهم مجرد إخبارية موجّهة، بل أتوا بجرعة ترفيهية ثبت نجاحها عبر الدبلجات السابقة. لذلك، يبدو أنّ الإعلام العربي سيواجه منافسة حقيقية هذه المرة في ملعبَيه الأهم: الدراما والموسيقى الشرقية... فهل من مناجز؟