العاصمة العالميّة للكتاب دخلت محطّتها الأخيرة

المهرجان الذي تنظّمه مؤسسة «هاي فيستيفال» البريطانيّة بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانيّة، انطلق أمس بحضور كتّاب وكاتبات يعكسون مزاج المرحلة. أنطولوجيا بالعربية والإنكليزية، ولقاءات تجمع هؤلاء «الشباب» بالجمهور في فضاءات العاصمة، بحضور نقّاد وإعلاميين وأدباء مكرّسين

حسين بن حمزة
مهرجان «بيروت 39» الذي ينطلق فعليّاً اليوم، بعد افتتاح رسمي أمس في «كازينو لبنان»، يَعِدُنا بنتائج إيجابية عديدة. لكنه، مثل أيّ نشاطٍ مماثل، يظل حدثاً محكوماً بارتفاع منسوب الصخب الاحتفالي، على حساب المضمون الذي هو الأدب. الفارق هنا هو الاحترافية الواضحة في تنظيم المشروع. ولعلّ الفضل عائد إلى وجود شريك أجنبي هو مؤسسة «هاي فيستيفال» التي قرّرت أن تستعيد هنا، في مناسبة «بيروت عاصمة عالمية للكتاب»، تجربة بدأتها في أميركا اللاتينيّة. لسنا سيئين جداً في تنظيم مشاريع مماثلة، لكنّ منافسة الأجانب تُخرج أفضل ما فينا عادةً. كما أن هذه الشراكة تتيح للتجارب المشاركة التسلل إلى لغاتٍ أخرى. وأول الغيث صدور أنطولوجيا بالعربية والإنكليزية عن دار بريطانية مرموقة، تضم نماذج من أعمال الكتّاب المشاركين في المهرجان («بلومسبري» ـــــ لندن، تحرير صموئيل شمعون، تقديم جمال الغيطاني).
رغم الانتقادات التي رافقته وأشارت إلى تأثير طرف ثقافي عربي محدد في خياراته، يمثّل الحدث «بروفا» لما يمكن أن يكون عليه مستقبل الكتابة العربية، أو يُضيء مساحةً أساسية من هذا المستقبل. ليس حدثاً عاديّاً أن يلتقي في بيروت هذا العدد من الكتَّاب الجدد، الذين يحملون الحساسيات الأكثر راهنيةً في لحظة محددة، وأن تتجانب وتتقاطع تجارب ونبرات شخصية مختلفة وتعقد صلاتٍ كتابية انعقدت سابقاً إنما في الفضاء المجرّد.
يحظى كتَّاب نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة بوسائل تفاعل وتواصل لم تكن في متناول أسلافهم. الإنترنت مثلاً، أسهمت في اطلاع هؤلاء على تجارب بعضهم بعضاً. نشأ فضاء افتراضي لاحتكاك أصواتهم ومخيِّلاتهم. كما أن بعضهم عاش في الغرب، وعرّّض معجمه الأصلي للغاتٍ وحساسياتٍ أسلوبية مختلفة، كما هي حال الهولندي ـــــ المغربي عبد القادر بن علي، والفلسطينية رندا جرار التي تعيش في أميركا وتكتب بالإنكليزية... كأنها فرصة لطرح فكرة أن الأجيال المحلية لم تعد كافية للإحاطة بما يجري في المشهد الراهن للكتابة العربية.


الجيل هنا هو حصيلة أمزجة حديثة ومتغيِّرة، لا علاقة لها بالجغرافيا والهويات المسبقة. بهذا المعنى، يُتيح لنا لقاء «بيروت 39» إمكان الحديث عن تجارب عربية متقاربة عمرياً، لا تجمع بينها سوى طموحات الكتابة، وهو إمكان عابر للحدود وصالح في آن واحد، لإضعاف شعور كتَّاب الأطراف بأنهم «مواطنون من الدرجة الثانية» في جمهورية الإبداع العربي التي لطالما خضعت لنفوذ «المركز». هكذا، بات باستطاعة الكاتب السعودي أو السوداني أن يحتكم إلى قواعد أخرى في مجاراة ما يحدث في بيروت أو القاهرة أو دمشق أو بغداد. بات باستطاعتنا مثلاً، أن نضع المغربي عبد الله الطايع إلى جوار السورية سمر يزبك من دون الشعور بأن الجغرافيا تعوق تجوالنا بين نصوصهم. صحيح أننا بصدد لحظة كرنفالية يعود بعدها كل كاتب إلى عالمه الخاص، لكنها إشارة إلى أن المعايير السائدة باتت معرّضة لتهديدات جدية.
ولعلّ الأنطولوجيا الصادرة في هذه المناسبة، تحمل تطبيقات نصية عدّة على ذلك. إن تجاور النصوص وتتابعها حسب الترتيب الأبجدي للأسماء، يسمحان بإزاحة جنسيات أصحاب هذه النصوص جانباً، ويقترحان على المتلقي قراءة مرنة محكومة بنضج وتميّز ما يقرأه.
هكذا، لن يجد القارئ فرقاً حاسماً بين قصة «حنيف من جلاسكو» للسعودي محمد حسن علوان، وقصة «تعايش» للفلسطيني علاء

هل يدرك المنظّمون أنّ معظم المشاركين في المهرجان اهتدوا إلى أصواتهم وتجاوزوا مرحلة البدايات؟

حليحل... ولن يجد فرقاً بين قصائد المصري أحمد يماني، والفلسطيني سامر أبو هواش واللبناني ناظم السيد. هذا لا يعني أننا نقرأ مادة واحدة في الأنطولوجيا كلها. هناك مذاقات ومناخات ومقترحات ذاتية مختلفة، لكن هذا لا يضرب العصب أو المزاج المتقارب لما نقرأه، مع الانتباه إلى تسرُّب بعض الأسماء غير المؤهلة التي كان من الأفضل أن تُستبدل بها تجارب أكثر حضوراً. وتواضع مستوى تلك الأسماء، ينقلنا إلى ملاحظة مماثلة تتعلق بعناوين الندوات التي ستشهدها التظاهرة. نقرأ البرنامج ونشعر بأن معظم العناوين مرتجلة وعمومية: «الأدب والسينما»، «مسؤولية الفنان»... كما أن عقد أكثر من ندوة تحت عنوان مكرور مثل «الكتاب الذين شكَّلونا» يجعلنا نتساءل عما إذا كان المنظمون يُدركون أن معظم المشاركين اهتدوا إلى أصواتهم ونبراتهم، وأن عملية التشكل لا تقتصر على البدايات؟
أخيراً، تثير الأسماء المشاركة (اختارها جابر عصفور، سيف الرحبي، عبده وازن، علويّة صبح، وبطريقة غير مباشرة صموئيل شمعون) ملاحظة جوهرية هي غلبة الروائيين والقصّاصين على حساب الشعراء (27 مقابل 12). هل مستقبل الكتابة العربية مائل إلى النثر؟ هل يأتي المهرجان تأكيداً للرأي القائل إنّ الشعر اليوم في أزمة، وإننا نعيش زمن الرواية؟ أم أنها مصادفات ناتجة عن اختيارات لجنة التحكيم؟ هل يمكن تعميم العيِّنة المتوافرة في المهرجان على الأدب العربي الراهن كله؟ أم أن تسويق السرد يحظى بفرصة أفضل لدى الشريك الأجنبي؟ أسئلة يمكن طرحها على المهرجان وضيوفه وجمهوره الآن في بيروت.


حتى 18 نيسان (أبريل) ـــــ للاطلاع على البرنامج www.beirut39.com


٣٩ كاتباً وكاتبة في مدينة



■ عبد الله ثابت (1973 ــــ السعودية)
■ أحمد يمني (1970 ــــ مصر/ إسبانيا)
■ إسلام سمحان (1981 ــــ الأردن)
■ يوسف رخا (1976 ــــ مصر)
■ باسم الأنصار (1970 ــــ العراق/ الدنمارك)
■ ديمة ونّوس (1982 ــــ سوريا)
■ هالة كوثراني (1977 ــــ لبنان)
■ نجاة علي (1975 ــــ مصر)
■ عبد الله الطايع (1973 ــــ المغرب/ فرنسا)
■ ربيع جابر (1972 ــــ لبنان)
■ روزا ياسين حسن (1974 ــــ سوريا)
■ زكي بيضون (1981 ــــ لبنان)
■ سمر يزبك (1970 ــــ سوريا)
■ منصورة عز الدين (1976 ــــ مصر)
■ كمال الرياحي (1974 ــــ تونس)
■ جمانة حداد (1970 ــــ لبنان)
■ أحمد سعداوي (1973 ــــ العراق)
■ حسين جلعاد (1970 ــــ الأردن)
■ عبد القادر بن علي (1975 ــــ هولندا/ المغرب)
■ حمدي الجزّار (1970 ــــ مصر)
■ وجدي الأهدل (1973 ــــ اليمن)
■ محمد حسن علوان (1979 ــــ السعودية)
■ عبد العزيز الراشدي (1978 ــــ المغرب)
■ نجوان درويش (1978 ــــ فلسطين المحتلّة)
■ ناظم السيد (1975 ــــ لبنان)
■ عبد الرزاق بوكبة (1977 ــــ الجزائر)
■ عبد الرحيم الخصار (1975 ــــ المغرب)
■ محمد صلاح العزب (1981 ــــ مصر)
■ سامر أبو هواش (1972 ــــ فلسطين/ لبنان)
■ ياسين عدنان (1970 ــــ المغرب)
■ علاء حليحل (1975 ــــ فلسطين المحتلّة/ لحظة كتابة هذه السطور كان يواصل السعي، من لندن، للحصول على تأشيرة دخول إلى لبنان)
■ يحيى أمقاسم (1971 ــــ السعودية/ فرنسا)
■ عدنية شبلي (1974 ــــ فلسطين المحتلّة/ بريطانيا. لن تتمكّن من الحضور)
■ منصور الصويم (1970 ــــ السودان)
■ حسين العَبري (1972 ــــ سلطنة عمان)
■ نجوى بنشتوان (1970 ــــ
ليبيا)
■ فايزة غوين (1985 ــــ فرنسا/ الجزائر)
■ رندة جرار (1978 ــــ فلسطين/ الولايات المتحدة)
■ هيام يارد (1975 ــــ لبنان)