حسين بن حمزةسرَّب يحيى جابر الكثير من تفاصيل حياته الشخصية إلى قصائده. لعب على المفردات الدراجة والركيكة. مرَّغ القصيدة في معجم الشارع والمقهى والحانة والوظيفة. خلط الألم بالسخرية والضحك. ابتعد عن الصورة التقليدية للشاعر المتجهِّم والرومانسي. وها هو اليوم يدعونا إلى معاينة كل تلك الممارسات في مونودراما مسرحية تحمل عنوان ديوانه الثالث «خذ الكتاب بقوة». لكنها حصيلة كولاج أو توليف لقصائد من دواوينه الستة. تسرُّب الحياة الشخصية إلى الشعر سهَّل على صاحب «الزعران» تحويل قصائده إلى سيناريو ملائم لممثل وحيد على الخشبة. ولأنه تخرَّج ممثلاً في معهد الفنون، قرر أن يؤدي الدور بنفسه.
يقترح جابر تسمية Stand up poetry للعرض، مشتقاً التسمية من Stand up comedy التي هي المونودراما القائمة على التفاعل الكوميدي المباشر مع الجمهور... الشعر يحتل مكان الكوميديا، لكن هذا لا يعني أننا موعودون بالتهريج والتنكيت المبتذل. لا يُخفي يحيى جابر ميله إلى كتابة الشعر بمزاج ساخر، لكنه يرى أن «الكوميديا لا تعني التهريج. إنها دراما في النهاية، والشعر هو دراما أيضاً. إنه مجلوب إلى الخشبة لإيصاله إلى الناس بطريقة مختلفة». الكوميديا هنا هي أحد المذاقات المقترحة للعرض مثلما كانت مذاقاً لقصائد الشاعر.
الشاعر/ الممثل يروي سيرته أمام الجمهور. إنها محطات مصحوبة بخيبات متواصلة في بلد لا يمنح مواطنيه طمأنينة العيش. القصائد تُترجم إلى «برفورمانس» كيفي على يد صاحب القصائد الذي يفاجئنا بقدرته على شدنا طوال فترات العرض توريطنا في العمل. يلعب جابر على فكرة سوء الحظ. انتسب إلى الحزب الشيوعي قبل انهيار الاتحاد السوفياتي بأيام. نال جائزة يوسف الخال في الشعر، فصرف المبلغ على دفن والده. انتظر أن تنتصر أميركا في العراق ففشلت. وقف عريفاً لتظاهرة 14 آذار فانفرطت ثورة الأرز. عاد إلى طائفته فرفضته. ثمة قصص مماثلة عن الطفولة، عن غياب الأم، عن دراسة التمثيل، عن الزواج، عن الحرب، عن الشعر وشعراء جيله. عن «الرواد الذين ذهبوا ليفجروا اللغة». عن شعراء الجنوب الذين ملأوا قصائدهم بالطبيعة الريفية...
لا يختلف أداء يحيى جابر عن حضوره في الحياة اليومية. الفارق أنه وحيد على الخشبة، ونحن جالسون في مواجهته، وليس عليه سوى أن يُضحكنا ويُبكينا... على نفسه وعلينا.
9:00 مساء اليوم ــــ «مسرح بابل» ــــ للاستعلام: 01/744033