صباح أيوبيبدو كتاب بدر الحاج الجديد «طرابلس الشام ـــ جولة مصوّرة مع البطاقات البريدية» (كتب للنشر) صرخةً مدوّيةً وسط الفوضى العمرانية التي تجتاح مدن لبنان وتغير معالمها التاريخيّة. يروي الكتاب/ الألبوم تاريخ طرابلس (شمال لبنان) الاجتماعي والمعماري، من خلال صور بالأسود والأبيض، وبطاقات ما زالت تحتفظ بطابعها البريدي منذ قرنين من الزمن. يمزج العمل بين العرض التاريخي والذكريات الشخصية، وخصوصاً أنّ حياة الحاج الذي ولد في إحدى قرى الشمال ارتبطت مباشرة بـ«المدينة». طرابلس كانت كالحلم الموعود بالنسبة إلى سكّان المحيط، إذ كانت مركز التعليم والعمل والتسلية والاختلاط. وهي أيضاً، كانت «أبهى بلدة على ساحل سوريا» بحسب تعبير الموظفَين العثمانيّين محمد بهجت ورفيق التميمي عام 1915. الكتاب الذي يبدأ بـ«منظر عام» للمدينة (من عام 1910) يأخذك إلى جولة في شوارعها وأحيائها الضيّقة وساحتها الكبيرة ومقاهيها وضفتَي نهرها، وصولاً إلى مرفئها ومنطقة «الميناء»...
يرصد بدر الحاج التحولات العمرانية التي عصفت بالمدينة
هكذا يقسم الكتاب مجموعات صوره إلى عشرة أجزاء: ولاية طرابلس، والميناء، المدينة ــــ التل، والأبواب، والمساجد، والأبراج، والمدارس، والقلعة، ونهر أبو علي، والمولوية، والطرق والمواصلات، واقتصاديات المدينة، والمتنزهات. يبدأ كل جزء بشرح مختصر عن تاريخ المواقع وتطور بعض الظواهر الاجتماعية في المدينة. البحث عن صور تاريخية في لبنان، هو من دون شكّ عمل مضنٍ نظراً إلى الإهمال الكبير الذي يلحق بالعمل التوثيقي والأرشفة... لكنّ بحث الحاج الذي استمر لسنوات أنتج مجلّداً قيّماً، يوثّق لعاصمة لبنان الثانية، وينطوي تاريخها على إرث معماري وحياتي خاص.
«كانت المدينة مطوّقة ببساتين البرتقال والزيتون»، لكنّ «باب الرمل أزيل»، و«باب الحدادين وباب الحديد وباب السراي أزيلت أيضاً». «النهر شحّ وعدّل مجراه»، و«أبراج المدينة هدمت وبيعت ولم يبقَ منها سوى برج واحد». «السرايا العثمانية في ساحة التل والقشلة ومسرح الأنجا هُدمت أيضاً»، و«أبنية طرابلس السكنية القديمة أزيلت لتشيّد مكانها مبانٍ عصرية شاهقة. مصوّرو التلّ اختفوا بدورهم، والمقاهي الفسيحة لم يبق منها سوى القليل القليل»... هذا ما تخبرنا به صور «طرابلس ـــ الشام» بصمت. صفحات تبيّن أثر التغيير العمراني العشوائي الذي غزا، وما زال يغزو، معالم أثرية في طرابلس الفيحاء وغيرها من مدن لبنان.