إنه أحد روّاد العصر الذهبي للمسرح اللبناني... ترك بريخت خلفه، واختار دخول المختبر بحثاً عن لغات وأشكال جديدة. «رِحلة محتار إلى شْْري نَغَار» هو عنوان عمله الجديد الذي ينطلق غداً الخميس على خشبة «مسرح مونو»
بيسان طي
كلما انتهى من تقديم مسرحية، يقرر جلال خوري (1934) ألّا يعيد الكرّة... لكنه لا يعرف كيف يتوب! تمر الأيام وتدور العجلة، فإذا به يجد نفسه مجدداً على خشبة المسرح. الموعد عند العاشرة، تجده بقامته الطويلة في انتظارك، يدور بك في الكواليس، يحمل اكسسوارات، يسحب جزءاً من الديكورات، ويستفيض في الكلام. لكنّه كلام رجل خبر المسرح وعرف أسراره، ويعرف كيف يتمنّع ـــــ كما شهرزاد ـــــ عن استكمال الحكاية ليزيد التشويق... فيضرب لك موعداً الخميس ليلة العرض الأوّل لـ«رِحلة محتار إلى شْْري نَغَار» على خشبة «مسرح مونو» في بيروت.
إنها قصة «رجل يُشاجر ظله»، مسكون بهواجس الغربة، يطرح الأسئلة عن مقام قديس في مدينة شري نغار (عاصمة إقليم كشمير) فيقرّر الذهاب إليها. لكنّ هذه الهواجس ستصطدم أولاً بأسئلة زوجته، ومعارضتها للرحلة، وخصوصاً أنّ هذا الإقليم يعيش النزاعات بين الهند وباكستان. لاءات الزوجة سيتخطاها الرجل بأسلوب طريف، ثم يشدّ الرحال إلى حيث الإجابات المفترضة، فهو مسكون بمقام ذلك القديس الـ«ملتبس الهوية» الذي توفي منذ زمن يزيد على 120 عاماً. بالنسبة إلى جلال خوري، فإنّ «رحلة محتار إلى شْْري نَغَار» هي مسرحيّة عن «العودة إلى الذات». هذا المسرحي الذي يُعَدّ من رموز نهضة الستينيات في بيروت، ينحو اليوم بمختبره إلى منطقة جديدة، بعدما كانت بداياته مع المسرح البريختي، أي الغربي، ثم مسارح الشرق. كتابة النص الذي يقدّمه هذه المرّة استغرقته عاماً من العمل: «النماذج التي يكتشفها المرء بتجاربه تصير غير سارية المفعول كلما انطلق في عمل جديد. لا يبقى من الخبرة ما يمكن الاعتماد عليه سوى الأحاسيس التي تنمو مع التجربة، وتقي الفنان الوقوع في مطبّات كلما دخل تجربة جديدة تتخطى المألوف». أما الشكل الجديد للعمل، وتقنياته، ولغته البصرية، والسينوغرافيا، فكلّها أمور «فرضتها طبيعة الموضوع. هو دقيق بالنسبة إلى وقعه على أذهان الناس». لذا يلجأ صاحب «جحا في القرى الأماميّة» إلى حيل فنية للتمكن من إيصال القصة التي يرويها من دون أن «تسبب مشكلة لي ولا للمتلقي». لكنّنا نسأل مجدداً، ما هي القصة حقاً؟ فيتحدث خوري عن الرجل الذي يتشاجر مع ظله: إنها قصّة الإنسان، قصة دون كيخوته لكن بمفاهيم ذات

التمثيل هو ركيزة العمل، ويختصر النص تجربة جلال خوري في الكتابة


طابع «روحاني»... يتريّث قليلاً: «قد لا تكون هذه الكلمة دقيقة، لكنني لا أجد تعبيراً آخر». يحكي جلال خوري عن مسرحيته، ثم يمتنع عن الغوص في التفاصيل، تاركاً لنا أن نلتقط بعض الخيوط. في هذا العمل، نحن على موعد، على ما يبدو، مع أشكال مختلفة من «الفرجة». صحيح أن المخرج البارز هجر مسارح الشرق والغرب، إلا أنّه ينهل من تقنياتها ولغاتها المختلفة. أربعة ممثلين يشاركون في مسرحيّة جلال خوري الجديدة: شادي الزين، وسيلين سرسق، وجوزيف ساسين، وهادي دميان. وتشارك رنين الشعّار أيضاً في إنشاد حيّ، فيما تحتل فرقة عازفين يمين الخشبة بقيادة سامي حوّاط. التمثيل هو ركيزة العمل، ويحمل النص خلاصة تجارب جلال خوري في الكتابة. أما المنشدة، فتؤدي دوراً أساسياً في نية الاحتفال. ويهمس لنا أننا على موعد مع مفردات حركيّة مختلفة، منها أشكال رقص من الشرق...
ينبّهنا جلال من أن «رحلة محتار إلى شري نَغار» هي محاولة قد تبدو «خارجة عن المألوف. غايتها الغوص في منعطفات الوعي والذاكرة، في سعي حلوليّ إلى تجاوز القائم والمعترف به إنْ على صعيد الشكل، أو الاقتناعات، أو المفاهيم». ثم يزيد: «الهاجس هو تقديم إضافة نوعيّة، فعسانا وفّقنا في ذلك».

8:30 مساء الخميس حتى 21 شباط (فبراير) ـــ «مسرح مونو» ــ للاستعلام: 01/202422


البحث مستمرّ

«شئنا أو أبينا، أخذنا النموذج الأول من الغرب، مشينا به وعددناه النموذج الأوحد ذات البعد الكوني»، يقول جلال خوري. بعد تصفية حساب مع المسرح الغربي في «رزق الله يا بيروت»، انشدّ خوري إلى الشرق. غاص في مسارح وفنون الفرجة فيه، درسها ودرّسها. يقول: «اختبرت نماذج جديدة وأمارس تقنيات مرتبطة بتقنيات شرقية». بعد قراءة المسرح الغربي ثم مسارح الشرق، يعود خوري ليؤكد أنه «في هذه الفسحة الحضاريّة المفصليّة (أي منطقتنا)، لا نزال نبحث عن شكل جماليّ يختصر نظرتنا إلى الأشياء. كلّ ما أنجزناه يبقى مجرّد تجارب، بعضها جريء، وبعضها الآخر مبتدع، لكنّها في معظمها انحصرت بمحاولات ناسخة لابتكارات الآخرين».