ظلّ مطروداً ومطارداً من الأنظمة العربية كلّها. المحطّة القطرية تضيء على سيرة هذا الروائي الأردني الذي عاش حياته متنقّلاً بين المنافي
نوال العلي
في مصر كان قاهرياً، في لبنان بيروتياً، في العراق بغدادياً، وفي سوريا دمشقياً. لكن الفرصة لم تُتَح له ليكون أردنياً. كان عمره في وطنه قصيراً. ظلّ الروائي غالب هلسا (1932 ـــــ 1989) مطروداً ومطارَداً من الأنظمة العربية كلّها. وهذا طبيعي! ألم يكن صاحب «الروائيون» يتمتّع بكل الصفات المنفرة: لسان سليط ورأي انتقادي مثقّف وموقف معارض؟
لكن أيّهما أصحّ حين نفكّر في هلسا، أن نقول تنقّل بين المنافي أم الأوطان؟ فهل يكون في ترحّل المثقف الأمميّ القومي بين المدن التي أحبّها وانتمى إليها اغتراباً؟ فلتذهب الأنظمة إلى الجحيم، كان غالب ابن المكان والهمّ العربي بالمعنى الذي شقّ على كثيرين بلوغه. صورة عن كثب تعيد قناة «الجزيرة الوثائقية» عرضها اليوم عن سيرة هذا المثقّف الغرامشي، العضو الوحيد في أربعة أحزاب شيوعية عربية. يشارك في الشريط الذي أعدّته الصحافية والشاعرة سميرة عوض، شقيق الروائي الأكبر يعقوب هلسا، وأصدقاؤه الصحافي بسام هلسا، والناقد نزيه أبو نضال، والكاتب موفّق محادين. ومن لبنان يشارك الناقد محمد دكروب، ومن مصر الشاعران أحمد فؤاد نجم وسيد حجاب. أمّا من فلسطين، فيطلّ عبد القادر ياسين ومريد برغوثي... كما يتحدث الصحافي والشاعر خيري منصور عن فترة وجود هلسا في العراق، الذي طُرد منه إثر كتابة مسوّدة «ثلاثة وجوه لبغداد» عام 1981، فعاد إلى بيروت للعمل في «إذاعة فلسطين» وبقي فيها طيلة مدة الاجتياح (1982) الذي حمل فيه السلاح.
إضاءة على مواقفه السياسية التي دمغت حياته برمّتها
أما حياته في القاهرة، فسنجد مشاهد مصوّرة في الفيلم من مقهى «ريش» الذي كان يرتاده المثقّفون، حيث كانت تدور السجالات السياسية والأدبية والثقافية، كما صوّر الفيلم شقّته في حي «الدقّي». كانت مصر «أم العجائب» بالنسبة إلى غالب، فيها كتب أولى رواياته، واعتُقل مراراً، ورُحِّل منها على متن طائرة إلى بغداد، بعدما ألقى محاضرة «المخطط الأميركي في المنطقة العربية» (1976). يتناول كل ضيف في الوثائقي (26 دقيقة) علاقته المباشرة بهلسا في المكان والزمان اللذَين وُجد فيهما. ويروي أبو نضال أحداث الفترة التي عايش فيها هلسا في القاهرة إبّان الستينيات، ويحكي عن يوم وفاته في «مستشفى الأسد» في دمشق (1989). «كنا ذاهبين إليه باطمئنان، إذْ أخبرنا الطبيب أنّ حالته جيدة. حين بلغنا باب غرفته، كان الوجوم مسيطراً على الجميع، وأبلغتنا الممرضة وفاته قبل ساعات». ويتحدث أبو نضال كيف عاش غالب أواخر أيامه ظروفاً صحية ونفسيّة قاسية. وقد أصابته حالة اكتئاب جعلته لا يغادر منزله في دمشق، ويستغرق في النوم 16 ساعة يومياً. كذلك يتطرق الفيلم إلى إبداع هلسا، وإلى وجود سيرته وشخصه في أعماله، التي كثيراً ما حمل أبطالها اسم غالب نفسه، ويتناول موقفه من المرأة. نظر غالب إلى الحياة كلها بوصفها امرأة. إضافةً إلى مواقفه السياسية التي دمغت حياته برمّتها. يتّخذ الفيلم، الذي أخرجه ناصر عمر، طابعاً درامياً في تمثيل الأحداث، ويصوّر في الأماكن التي تنقّل فيها هلسا، بدءاً من قريته وبيت ذويه، حيث ولد في قرية ماعين في مدينة مادبا 1932. لا يزال هذا البيت ينتظر منذ 2007 أن يصير متحفاً بوعود كثيرة لم تتحقّق، ولم يجد منزل صاحب «الضحك» سنداً مثلما كان صاحبه طيلة حياته. يجيء الوثائقي ضمن سلسلة «بصمات» التي تتكوّن من 50 حلقة أعدّتها «الجزيرة الوثائقية» لعام 2010، وتضمّ شخصيات عربيّة، منها الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل المعروف بعرار، وأبو القاسم الشابي والمفكّر الفلسطيني أنيس صايغ والسينمائي توفيق صالح والموسيقار سيد درويش...


اليوم 14:00 على «الجزيرة الوثائقية»