بيار أبي صعب الذّكرى الخامسة والستون لتحرير «أوشفيتز ـــــ بيركُنو»، معسكر الموت النازي في بولونيا، على أيدي الجيش الأحمر، مرّت في العالم العربي وسط صمت مطبق. ولهذا الإغفال أكثر من سبب طبعاً. هناك في الدرجة الأولى، للأسف، جهل واسع يدعمه قصور في الوعي لدى جزء من النخب العربيّة، لرمزيّة ذلك المكان الذي بات يختصر المحرقة النازيّة في ذاكرة البشريّة. هناك من جهة أخرى ردّ فعل عربي على محاولات الاحتواء والاستغلال الفاجرة التي قامت وتقوم بها إسرائيل لواحدة من أفظع محطّات البربريّة في تاريخ القرن العشرين، للتغطية على الجرائم التي قامت عليها هذه الدولة الغاصبة طوال تاريخها... ولفرض شرعيّة كيان تأسّس بدوره على الهمجيّة، وعلى المجازر المتواصلة إلى اليوم، غالباً بمباركة الديموقراطيّات الغربيّة والديكتاتوريّات العربيّة.
من هذا المنطلق، فإن التظاهرة الفكريّة الثقافيّة التي تتفرّد تونس بتنظيمها هذه الأيّام، وتشتمل على عروض ومحاضرات تحت عنوان «الذاكرة والشهادة: إبادة يهود أوروبا»، قد تبدو ـــــ للوهلة الأولى ـــــ مبادرة حميدة، واستثناءً يستحق التحيّة. للوهلة الأولى فقط، إذ سرعان ما نتذكّر أن أدنى مبادرة تعاطف وتضامن مع فلسطين ممنوعة تماماً في بلد توفيق بن بريك، زميلنا القابع في السجن بسبب كتاباته. هكذا بسحر ساحر، تنبري المؤسسة الرسميّة في تونس لمكافحة اللاساميّة وإعادة الاعتبار للمحرقة، بالاشتراك مع «المعهد الفرنسي للتعاون»، فيما الأفواه مكمومة، وغزّة غائبة عن الخريطة، والفصل غير واضح بين يهودي وصهيوني... «شوها بزنس» إذاً، مقابل تنازل غربي عن المطالبة بحريّة بن بريك وحريّة شعبه؟