بدر الإبراهيم
كتاب غائب عن رفوف المكتبات، وصحيفة عربيّة تُمنع من الدخول! هل فعلاً يحدث هذا في بيروت؟ من غير المستغرب أن تهبّ أنظمة تسلّطية عربية لمنع الأفكار، وأن تحاول طمس كل رأي لا يعجبها وتسطيح عقول مواطنيها وفق أيديولوجيا يفرضها النظام ويباركها.
لكن لبنان استثناء عربيّ لحسن الحظّ، فتركيبته وتاريخه وتقاليده تمثّل مناخاً فريداً من الحرية. ورغم بعض المحاولات، قديماً وحديثاً، لممارسة أشكال من الرقابة، فإن هذا البلد ظل محافظاً على ميزته وما زال يقاوم الغرق في الظلام العربي الدامس. لذا لا يمكننا، نحن عشاق بيروت وحريّتها، إلا أن نستغرب ونستنكر المنع الذي تعرّضت له أخيراً صحيفة «السياسة» الكويتية، وما قيل عن عرقلة توزيع كتاب «لائحة الحريري» للفرنسي جيرارد دو فيلييه (الصورة). المثير للاستغراب أن الرقيب يصرّ على تجاهل حقيقة أساسيّة، هي أن القارئ يستطيع اليوم أن يصل إلى كل ما يريده من المواد الممنوعة، بأشكال ملتوية لا حصر لها.
إن المشترَك بين الصحيفة والكتاب تعرّضهما لـ«حزب الله» على نحو أساسي. الصحيفة تواصل الترويج لخطاب مسموم كما تفعل منذ سنوات، والكتاب (وهو رواية بوليسيّة ضمن سلسلة SAS) يلمّح إلى دورٍ ما للحزب في اغتيال الرئيس الحريري... فهل المنع محاولة لتفادي التوتر، والحفاظ على السلم الأهلي، وصيانة الوحدة الوطنية، في ظل أجواء التهدئة السياسية الحالية؟ إن تفسيراً

أيّ سلم أهلي هذا الذي تهدّده مقالة أو كتاب؟

مماثلاً يطرح التساؤل عن هشاشة هذه الوحدة الوطنية، كي تصبح مهددةً بمقالة أو كتاب، وذلك بمعزل عن رأينا الخاص بمقالات الجريدة المذكورة أو بقيمة ما يكتبه دو فيلييه! ويطرح تساؤلاً آخر عن ارتباط التهدئة ومنع التوتر برفض النقد أو استبعاد الأفكار، وإغلاق الأبواب أمام كل ما لا يتلاءم مع الظرف السياسي الجديد. أما إذا انزلق النقد إلى التحريض والرأي إلى التجريح، فهناك وسائل وآليات شتّى للرد غير الرقابة! حتى الآن، كان «حزب الله» واضحاً في موقفه من الحريات العامة ومن الأفكار الناقدة له، رغم حملات التشويه التي تصوّره حزباً شمولياً خطيراً. ولا بدّ من التأكيد أن الترحيب بالنقد هو خطوة لا بد منها لإسقاط الفتن ومحاولات التحريض. التوعية هي سلاح المقاومة في مواجهة التضليل. أما المنع فهو سلاح المتسلطين العاجزين.