Strong>عملان سولو الليلة في «مسرح المدينة»تعود الكوريغراف والراقصة الألمانيّة الليلة إلى بيروت، بعملين جديدين هما «وميض» و«ظلال منجرفة»، قبل أن ينتقل العرض إلى دمشق مساء الاثنين. المبادرة التي تقف وراءها فرقة «مقامات» بدعم من «المعهد الثقافي الألماني» (غوته)، تزيد من فرص انتعاش الرقص العربي المعاصر الباحث عن هويّته وشرعيّته

بيار أبي صعب
بعد رحيل بينا باوش، يُطرح اسم هنرييتا هورن (١٩٦٨)، كواحدة من أيقونات الرقص المعاصر، والمسرح الراقص Tanztheater تحديداً. الكوريغراف والراقصة الألمانيّة باتت بينها وبين الشرق العربي علاقة ألفة ومعرفة متبادلة، إذ قدّمت أعمالها في القاهرة ورام الله ودمشق وبيروت، وأدارت ورشة للمحترفين الشباب في العاصمة اللبنانيّة («الأخبار»، ١٤/ ١٠/ ٢٠٠٩) ضمن برنامج مدرسة الرقص التي أطلقها عمر راجح و«مقامات». ندين أيضاً لـ«مقامات» ولـ «معهد غوته» بعودة هورن هذا المساء إلى «مسرح المدينة» في بيروت، حيث تقدّم عملين سولو، Schimmer وTreibschatten، قبل أن تنتقل بالبرنامج نفسه إلى «دار الأوبرا» في دمشق. العملان من أحدث إنتاجاتها بعدما تركت الإدارة الفنيّة لـ «فولكفانغ تانزستوديو» في إسن (ألمانيا)، تلك المؤسسة العريقة التي تشاركت في الإشراف عليها مع بينا باوش منذ ١٩٩٩. تواصل مصمّمة الرقص رحلتها الاستقصائيّة في دراسة علاقة العناصر في ما بينها: الحركة بالصوت والطاقة والإيقاع والضوء والفضاء... على خلفيّة ذاتيّة واجتماعيّة.
تنحدر هنرييتا هورن من تقاليد الـ Tanztheater، لكنّها أقرب في رأي النقاد إلى الرقص الصرف
درست هنرييتا هورن أسس الرقص في «الأكاديميّة الألمانيّة للرياضة» (كولونيا) بين ١٩٨٧ و١٩٩٢، قبل أن تؤسس فرقتها الأولى Terza e Uno التي لم تعمّر إلا أربع سنوات، وتنتقل إلى Folkwang Academy لتتلقّن تقنيّات الرقص بعدما خبرت إمكانات الجسد، لتخوض غماره فنّاً مستقلاً، وفلسفة للجسد، وفضاءً للتأمّل والتعبير... إنّها امرأة تبحث عن الطاقة، تسبر ديناميّة الأماكن. وتأخذ الجسد إلى مواقف وحالات متجدّدة كمن يخبر وجوده من خلال فنّ الرقص. نحّاتة الحركة، تتعامل معها بدقّة شديدة، مشغولة بالقوّة التي تقف وراءها، بقدرتها على الإيحاء، على تحريك الانفعالات والمشاعر الخبيئة لدى الجمهور.
هكذا هي هورن التي تعرف كيف تتعاطى مع الموسيقى، تعاطيها مع الصمت والفضاء الفارغ: عين على الصرامة البلاستيكيّة، على الاقتصاد في الحركات وتكثيف الإشارات... وعين أخرى على الارتجال والمفاجأة والانعتاق من القوالب الصارمة. في Albicht آخر أعمالها مع الـ «فولكفانغ» (٢٠٠٨) وضعت نفسها في مواجهة مع راقصيها الشباب، واشتغلت على كيفيّة إيصال الانفعالات من خلال الأجساد الجامدة. وفي Freigang (٢٠٠٧)، اشتغلت على الارتجال مع الموسيقي والبيرفورمر جينس توماس، لتلعب على التصادم الخلاق بين الحريّة والعفويّة من جهة، والقوالب المحددة بوضوح وصرامة من جهة أخرى.
في Arfischocke im Silbersee (٢٠٠٤) خلقت أجواء حلميّة تلتغي عندها الحدود بين البشر والحيوانات والكائنات الميثولوجيّة، وتلتقي الأطياف الغريبة في أجواء شرقيّة، بين الجاز والسامبا، لترقص بعذوبة تذكّر باللعب العفوي للاطفال. وهكذا وصولاً إلى العملين اللذين قدّمتهما في بيروت قبل عامين: Auhtacher وSolo (٢٠٠١). في الأوّل تشتغل على مخيّلة المتفرّج كعنصر من عناصر الفرجة، وعلى تحويل المشاعر إلى صور محسوسة من خلال عشرة كراس وعشرة راقصين. وفي الثاني ترقص وحدها قرابة نصف ساعة على تيمة الوحدة، في شكل حوار كوريغرافي مع مسرح وطاولة وكرسيتنحدر هورن، بشكل ما، من تقاليد «المسرح الراقص» الذي أطلقه مؤسس الـ «فولكفانغ» كورت جوس في الثلاثينيات، ثم بلغ ذروته مع معلّمة الـ«وبرتال» الراحلة بينا باوش. لكنّ النقاد يعدّونها أقرب إلى الرقص الصرف. يعود ذلك على الأرجح لاعتمادها على لغة جسديّة خاصة، وعلى الطاقة بما هي ديناميّة وإيقاع، في علاقتها بالفضاء. وها هي في عرضها الجديد Shimmer (وميض) الذي نشاهده الليلة في بيروت، تشتغل على علاقة اللون بالحركة والشعور، وعلاقة جسد الراقصة بالضوء. وحدها على الخشبة العارية إلّا من أكسسوارات وملابس نسائيّة تتبعثر حولها مع تقدّم الوقت، نلتقي الجسد في لحظة صفاء على شفا الاختلال. هذا العمل هو ثمرة تعاون وثيق وخاص بين الفنّانة ورينهارت هوبرت، مصمم الإضاءة (والسينوغراف) الذي رافقها منذ تجاربها الأولى.
في السولو الثاني Treibschatten (ظلال منجرفة) تشتغل هورن مجدداً على الوحدة والعزلة. تطارد ظلالها، تراقص تلك الظلال. كأن الذروة بالنسبة إلى هذه الراقصة، هي لحظة الامّحاء أو الاختفاء داخل ظلّها. إذا كان «المسرح الراقص» قام على القطيعة مع الـ «مودرن دانس» حسب مارتا غراهام، والـ «بوست مودرن دانس» حسب ميرس كونينغهام، عبر إدخال حركات الحياة اليوميّة وأدواتها وملابسها، وعبر إضافة البعد الاجتماعي إلى الهاجس الشكلي... فإن هنرييتا هورن تقف اليوم فعلاً عند تخوم تلك المدارس مجتمعةً، تسائل فنّها وأدواتها، وتتخلّص باستمرار من الأشكال الجديدة التي اهتدت إليها وفرضتها على نفسها.

8:30 من مساء اليوم ـــــ «مسرح المدينة» (بيروت) ـــــ للحجز: 01/753010
8:00 من مساء الاثنين ١٥ الجاري ـــــ «دار الأوبرا» (دمشق) ـــــ للاستعلام:
+963-11-2456542
www.opera-syria.org