هل يعتقد وزراء الإعلام العرب، أن اجتماعهم المرتقب هذا الأسبوع في القاهرة سيقضي على الفضائيات «المعادية» لمصالح الاستعمار وحلفائه، ويكرّس لغة البروباغاندا «المعتدلة»، ولغة التقارير الأمنية؟
محمد خير
نحن لسنا في أنغولا. لسنا في البلد الأفريقي الحار غير المستقر، حيث تحتدم منافسات كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم، بل نحن هنا في بلبيس، المدينة المصرية الشمالية الصغيرة. الكاميرا تنقل احتفالات الجمهور بفوز الفريق المصري، لماذا بلبيس تحديداً؟ لأنّها موطن اللاعب عماد متعب ومسقط رأسه... ولأن نقل احتفالات أقاربه وابتسامات أهل اللاعب كان البديل الوحيد الذي وجدته فضائية خاصة، تعويضاً عن عدم تمكّنها من بث المنافسات الأفريقية اللاهبة.
الفضائيات المصرية الخاصة المحكومة بواقعية رأس المال، استوعبت ـــــ بسرعة ـــــ الأمر الواقع، ولجأت إلى بدائل محدودة، لكنها مبتكرة بطريقة كافية كي تشد انتباه الجمهور، طبعاً بعد أن ينتهي من متابعة المباريات على شاشة «الجزيرة الرياضية»، صاحبة الحق الحصري في نقل الحدث. فضائية خاصة أخرى استعاضت بنقل كواليس البطولة عن نقل البطولة ذاتها، ودفعت مراسليها وكاميراتهم وميكروفوناتهم وراء اللاعبين والمدربين في الممرات ووراء الجمهور الأفريقي خارج الملاعب. فضائية ثالثة لجأت إلى فكرة أغرب: لقد استعانت بأرشيفها لعرض أهداف مطابقة ـــــ كنسخة كربونية ـــــ للأهداف المسجّلة في البطولة. هكذا، لا يشاهد الجمهور الهدف نفسه، بل هدفاً شبيهاً إلى درجة مذهلة. أما المحطة الإذاعية الشهيرة، فاخترعت برنامجاً يتصنّع مقدمه «الدردشة» مع ضيفه عن المباراة التي تجري في الوقت ذاته، يبديان الدهشة أو الإعجاب أو التساؤل بشأن هذه الكرة أو تلك، وهكذا يعرف المتابع نتيجة المباراة أولاً بأول كأنّها منقولة فعلاً على محطته المفضّلة! إن الحاجة هي أمّ الاختراع حقاً.
أما الفضائيات الرسمية، فلم تتعود أن تكون في «حاجة»، لذا لجأت إلى خطتها المعهودة: أولاً، كشف «المؤامرة»، وثانياً الضرب تحت الحزام من خلال محاولة تقييد الفضائيات ذات الحقوق الحصرية. الفضائيات الرسمية لم تعتد خوض منافسات مفتوحة، ذلك أنّ مسؤوليها لم يحتلوا مقاعدهم بالمنافسة، بل بالأمر المباشر. إنهم يتمنّون ـــــ كما تعودوا ـــــ أن يصدر أمر من جهة ما فتتنازل لهم «الجزيرة» عن حق البث مثلاً أو تُشركهم فيه. وفي الليلة التي أعلنت فيها القناة القطرية أنها ستنقل مباريات مصر وتونس للجمهور العربي مجاناً ـــــ وتلك طبعاً صفعة إضافية أكثر منها كرماً ـــــ كان التلفزيون الرسمي المصري يستضيف مسؤوله الأول أسامة الشيخ، متصوراً أن ترديد المزيد من الشعارات عن «كراهية الجزيرة لمصر» سيدفع الجمهور إلى ترك المباراة والفرجة على «البيت بيتك»! إنها العقلية نفسها التي تتصور أن مشكلة المواطن ليست في أوضاعه الصعبة، بل في الإعلام الذي يعجز عن أن يشرح للمواطن مدى الرفاهية التي يرفل فيها. إنّها عقلية «لقد ارتفع معدل التنمية» التي تفترض أنّ سعادة المواطن تتعلق بمدى معرفته بالنسب المئوية المختلفة.
أزمة بث المباريات الأفريقية دفعت مزيداً من الحماسة في عروق أصحاب مشروع «مفوضية الفضائيات العربية». نعم إنّه مشروع وثيقة الإعلام العربي نفسه الذي فشل في العام الماضي. لكنّ تكرار المشروع تحت مسميات أخرى هو نتيجة طبيعية لاستمرار وجود مسؤولين خارج الزمن، في وقت يناقش فيه العالم مدى تأثير الإنترنت على مكاسب حقوق بث البطولات الرياضية، ويتصارع فيه مستخدمو الشبكة الافتراضية على توفير منافذ لعرض المباريات عبر شاشات الكومبيوتر، وتتحايل فيه مواقع أخرى بعرض فيديو «ميني ماتش»

أزمة بث المباريات الأفريقية ضخّت الدماء في مشروع «مفوضية الفضائيات العربية»

مع تعليق صوتي لتلخيص الفعاليات، ما زالت الهيئات الرسمية تستعد للاجتماع مجدداً في القاهرة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، من أجل تكريس الأهداف نفسها الفضفاضة والمستوحاة من لغة التقارير الأمنية... لغة العقاب على التحريض والتأييد والمسّ بالرموز وتأليب الجمهور وتعكير الصفو.
يظن وزراء الإعلام العرب أن اجتماعهم المرتقب يستطيع تعطيل مستقبل البث الثلاثيّ الأبعاد والجيل الرابع والتكامل التكنولوجي بين الهاتف والتلفاز والكمبيوتر. وكما استغلت إسرائيل الحرب الأميركية على الإرهاب، بهدف إدماج أعدائها ضمن القوائم المستهدفة، يظن وزراء إعلام الأنظمة العربية التقليدية أنهم يستطيعون إطاحة الفضائيات «المعادية» على رأسها «الجزيرة» ضمن عملية «ضبط» أداء الإعلام العربي. لكنهم ينسون أن أميركا قوة عظمى، تمتلك السيف والذهب. أما التلفزيون العربي الرسمي، فلا يملك سوى الأغاني الوطنية، وهي أغانٍ جميلة يمكن الاستمتاع بها بعد الفوز في المباريات التي تنقلها «الجزيرة»... حصرياً!


خبراء الإعلام يجتمعون اليوم

يعقد خبراء الإعلام العربي اجتماعاً اليوم للبحث في قرار الكونغرس الأميركي معاقبة الأقمار الاصطناعية التي تسمح ببث قنوات تعتبرها واشنطن معاديةً لها. وصرّح ياسر عبد المنعم مسؤول الإعلام في الجامعة العربية أمس أنّ اللجنة الدائمة للإعلام العربي ستعقد اجتماعاً تناقش فيه مشروع القرار. ويخص المشروع محطات «المنار» و«الأقصى» التابعة لـ «حماس»، و«الرافدين» التابعة لهيئة العلماء المسلمين في العراق باعتبارها «تنشر التحريض ضد الولايات المتحدة». ويمتلك العرب مؤسستين هما «عرب سات» التي تقودها المملكة العربية السعودية، و«نايل سات» التي تملك معظم أسهمها الحكومة المصرية.