محمود عبد الغنيليس عبد اللطيف اللعبي اسماً غريباً في باريس، بل يمكن الجزم بأنّ الشاعر الفائز بجائزة «غونكور للشعر» عن مجمل أعماله (راجع الصفحة المقابلة)، هو الأديب المغربي الثاني بعد الطاهر بن جلون الذي تبنته الثقافة الفرنسية. إنّه احتضان هذه الدولة لبعض من يكتب في لغتها من العرب، على أساس غامض لعلّه معادلة بين الموهبة ودرجة «فرنكوفونيته». لكنّ هذا لا يعني أن «غونكور» تُستقبل بأريحية تامة عندما يفوز بها كاتب باللغة الفرنسية من أصول عربية. ثمة دائماً من الكتّاب الفرنسيين مَن يرى أنّ لغته يَشُوبها الاختلاف ـــــ وكذلك الجوائز ـــــ عندما تذهب إلى الأجنبي، كما تبدو بيوتنا مختلفة عندما يقطنها شخص آخر غيرنا.
يسعى اللعبي دوماً إلى أن يعود نصه إلى لغته الأم العربية. جلّ أعماله تُرجمت إلى العربية بحرص منه شخصياً. ولعل هذا الحرص نابع من كون اللعبي يعي تماماً أنّه يقيم في السديم المفزع بين اللغتين. وفوق أرضيّة «الاختلاف» تلك، بلور تمايزه الثقافي الذي يضعه في موقع متنافر مع الثقافة الفرنسيّة السائدة. مع تلك الحالة اللغويّة التي عبّرت عنها نانسي هيوستن، الكاتبة الكندية المقيمة في باريس: «الفرنسيون يتربصون، دقيقون، سريعو الانفعال، حساسون بشدة في ما يخص لغتهم».

كاتب متحوّل يسكنه القلق على مستوى الهوية الأسلوبيّة
لكنّ الفرنسيين يقدّرون عمل اللعبي، وقد منحوه أغلب جوائزهم وأهمّها، كأنما احتفاءً بقلقه الدائم على مستوى الهوية الأسلوبيّة. إنّه كاتب متحول باستمرار، يكتب الشعر حين لا يستطيع التعبير عن تجربته الذاتيّة والسياسيّة والإنسانيّة بواسطة الرواية. ويكتب المسرح حين يضيق به السرد، أو يفلت منه المعنى، أي معنى، وهو في غمرة لعبه بالمعاني. ولا بدّ من التوقّف عند تلك الغرائبية التي تطبع أدبه. ما يعيدنا إلى فكرة جوهريّة عبّرت عنها نانسي هيوستن: «في اللغة الأجنبية، ليست هناك أية فكرة متعارف عليها، فكل الأفكار غرائبية». لنعد إلى سيرته «مجنون الأمل»، أو إلى روايته «تجاعيد الأسد»، أو الى ديوانه الشعري «الشمس تحتضر»، لنتثبّت من ذلك. إنّ اللعبي من الكتّاب الذين يحذرون من التراكيب الجامدة، وربما انطبقت عليه بامتياز المقولة البارتيّة الشهيرة (نسبة إلى رولان بارت): هذا الشاعر يقف باستمرار عند «الدرجة الصفر للكتابة». اللعبي شاعر بالفرنسية، لكنّ لغته الأم تسكنه باستمرار، ربّما من حيث لا يدري ومن دون وعي منه.