تصالح الزعماء واتفقوا، فخلعت المحطات المحلية ثوبها التحريضيّ، وارتدت الحلّة التي تناسب الوضع المستجد.. ماذا يقول رؤساء تحرير نشرات الأخبار عن هذا التغيير المفاجئ؟
ليال حداد
فجأةً تصالح الزعماء، واتفقوا على طيّ صفحة الخلافات الماضية. وفجأةً أيضاً تغيّرت نبرة الشاشات المحلية، وتحوّلت نشرات الأخبار ـــــ وخصوصاً مقدَّماتها ـــــ من حفلات شتائم وتخوين إلى بيانات... غزل، ودعوات إلى التسامح. وبين ليلة وضحاها، اختفت التقارير والتحقيقات التي تفضح الطرف الآخر، لتحلّ مكانها صور الزعماء وهم يتصافحون ويتلون بياناتهم الصحافية. وقد استطاع متابع هذه النشرات بمختلف تلاوينها، ملاحظة الفرق بين نبرة الخطاب الإعلامي الذي ساد منذ السابع من أيار (مايو) 2008 الشهير، وما يحصل اليوم.
ولمن فاتهم متابعة هذا التغيير، إليكم عيّنة من العبارات التي استُخدمت في الأشهر الماضية: «موجة تستمرّ في أكثر من منطقة لبنانية، وتحمل فيروس الحقد والفاشيّة والكراهية والحقد ضدّ مناصري المعارضة» (Otv 30 أيار/ مايو 2009). «تصرّف أكرم شهيّب لا يبدو مستغرباً من قياديّ في «الحزب التقدمي الاشتراكي»، ينفِّذ أوامر رئيسه الذي كان بدوره قد التقى شيمون بيريز، وأعطى أمراً لمحازبيه بعدم التصدّي للعدو الإسرائيلي» («المنار» 7 أيار/ مايو 2008)، «البطريرك يوجّه كلامه طبعاً إلى جزء من أبناء الرعية (في إشارة إلى العماد ميشال عون) الذين بدأت تجرفهم الانتخابات النيابية نحو استحداث أعراف قد لا تظهر مفاعيلها السياسية السيئة على التركيبة الوطنية الآن، وكلها ستظهر فاقعة إذا تبدلت التحالفات» (Mtv 19 أيار/ مايو 2009)...
غير أنّ كل هذا التجييش يبدو أنّه لا يزعج رؤساء تحرير نشرات الأخبار على مختلف الشاشات المحلية. حتى إن هؤلاء يصرّون على أنهم كانوا ملتزمين بالتهدئة منذ فترة طويلة، وأن نشراتهم لم تتضمّن أي تهجّم أو أي تحريض ضد الخصم السياسي. وعند مواجهتهم بحقيقة ما كان يجري على الشاشات، يأتي الجواب موحداً بينهم «الإعلام ما هو إلّا انعكاس للوضع السياسي على الأرض».
يعترف المسؤولون عن النشرات إذاً، بأنهم في فترة معيّنة كانوا مجرّد أبواق للجهات السياسية التي تقف خلفهم، «لقد قلنا ما قلناه عن قناعة ونلتزم التهدئة اليوم عن قناعة أيضاً. ويجب عدم تحميل الإعلام مسؤولية التحريض أو التهدئة، بل ما حصل كان صورة عمّا يجري بين السياسيين» يقول مسؤول الأخبار والبرامج السياسية في «المنار» محمد عفيف. يوافق رئيس تحرير نشرة الأخبار في «أخبار المستقبل» عماد عاصي على هذه الفكرة، ويؤكّد أن المحطة «كانت ملتزمة بالتهدئة حتى في عزّ الخلاف السياسي (!)، وأن دور الشاشة هو نقل الواقع، حامياً كان أو هادئاً، وتصوير الجدل الدائر في البلد».
ولكن طبعاً نقل حقيقة الصراع يختلف بين محطة وأخرى. بالنسبة إلى مدير البرامج السياسية في Mtv غياث يزبك «كل مرة، يكون فيها لبنان في خطر، يجب أن أنبّه إلى ذلك، ثمّ إن ما ينطبق على التوجهات السياسية للمحطات لا ينطبق على Mtv التي تمثّل اللبنانيين». كلّ اللبنانيين؟ «الأكيد أنني لن أذوّب هوية المحطة كي تناسب مزاج البعض» يقول.
غير أن حرص بعضهم على خفض سقف خطابهم، لا ينسحب على Otv، إذ يعلن مدير برامجها السياسية الزميل جان عزيز أنّه «عندما يتعامل إعلام الحريري معنا بتوتّر، يكون ردّنا واضحاً وصريحاً، ولا أسمح لنفسي بالتوجّه إلى المشاهد بلغة التجميل والنفاق». ويذهب عزيز أبعد من ذلك، مؤكّداً أنّ فتح الملفات مستمرّ، وأن التقارير التي سبق أن بثّتها المحطة عن عمليات الهدر والفساد داخل دار الإفتاء ستستمرّ في نشرات الشاشة البرتقالية.
طيّب، لنفترض أن نشرات الأخبار هي انعكاس لما يجري على الساحة السياسية، كيف يفسّر المسؤولون عن النشرات عملية تجييش المُشاهد

عنصر التشويق يتمثّل اليوم في التركيز على المطالب الاجتماعية والهموم المعيشيّة

التي يتّبعونها، ثمّ سرعان ما يدعونه إلى تقبّل الآخر والتعاون معه؟ وهل يدخل ذلك في إطار الاستخفاف بعقل المُشاهد؟ ترفض مدير الأخبار في قناة «الجديد» مريم البسّام هذا التوصيف، معتبرةً أنّ المشكلة هي في السياسيين لا الإعلام. بنظرها، فقد الإعلام عنصر التشويق مع تأليف الحكومة والتزام السياسيين خطاباً هادئاً ومنفتحاً. لذلك «ازداد العمل صعوبةً. بات علينا إيجاد عنصر تشويق، إضافةً إلى أداء دور الرقيب على الحكومة مع غياب مفهوم المعارضة». من جهته، يقول محمد عفيف (المنار) إنّ «المواطن ليس غبياً، ومهما جمّلنا بلغتنا، يقدر هو أن يصنّف السياسيين».
ولعلّ عنصر التشويق الجديد الذي وجدته كل وسائل الإعلام يتمثّل في... المطالب الاجتماعية والهموم المعيشية للمواطن، التي كانت طيلة فترة الصراع موادّ ثانوية، أو حتى غائبة. هكذا، باتت مواضيع مثل زحمة السير أو حتى قمة كوبنهاغن للتغيّر المناخي، والحدّ الأدنى للأجور، تحتلّ العناوين الأولى... لحسن الحظّ.
وبانتظار أن يعود الخلاف السياسي إلى سابق عهده، وكل محطة لتتمترس خلف الموقف السياسي للفريق الذي تمثّله، يبقى على المشاهد أن يستفيد من «وقف إطلاق النار» الحالي، متحسِّراً على الديموقراطية وحرية الإعلام، اللتين يبدو أن «مشوارهما» في لبنان لا يزال في بداياته.


LBC حيادية؟

يجمع كثيرون على أن نشرة أخبار «المؤسسة اللبنانية للإرسال» باتت من النشرات الموضوعية، التي تحاول التزام الحدّ الأدنى من المهنية، بعدما كانت لسنوات طويلة الناطق شبه الرسمي باسم «القوات اللبنانية».
ولعلّ ما رسّخ هذه النظرية هو الاستغناء عن خدمات مجموعة من الموظّفين المنتمين إلى «القوات» في الأشهر الماضية، والبلبلة التي رافقت عملية الصرف هذه. «منذ أربع سنوات ونحن لا نقف مع أي طرف. وبالتالي نعرض أخبار الجميع» يقول مسوؤل الأخبار والبرامج السياسية في LBC جورج غانم (الصورة) لـ«الأخبار».