سناء الخوريأخرج سجناء رومية راياتهم من نوافذ الزنازين لاستقبالنا. مناشف، شراشف، وأشياء حميميّة أخرى نشرها سكان القلعة الاسمنتيّة في هواء ذلك اليوم الغائم. دخلنا القلعة، برفقة زينة دكّاش، لنشاهد مع السجناء فيلمهم الأسبوعي. اللقاء نشاط دوريّ تنظّمه الممثلة اللبنانيّة ومديرة «كثارسيس» (المركز اللبناني للعلاج بالدراما)، في إطار مشروع «العلاج بالدراما في السجن ـــــ منصّة فنيّة جديدة» المموّل من السفارة الإيطالية، مكتب التعاون للتنمية ضمن برنامج الطوارئ (Ross).
هذه المرّة، كان الموعد مع المخرجة زينة صفير لتعرض شريطين وثائقيّين من توقيعها، وتناقشهما مع السجناء. الحدث هنا سينمائي بامتياز، مع عملين وثائقيّين لزينة صفير. جلسنا جميعاً نشاهد «إلى سارة» (2003، مع نادين الخوري عطوي)، وهو توثيق لمأساة
شريطان وثائقيان لزينة صفير يرصدان مأساة العراقيّين وعدوان تموز
أطفال العراق، على عتبة الاجتياح الأميركي، من خلال رسالة تبعثها طفلة لبنانيّة إلى طفلة عراقية. في العمل الثاني «إخوة الأرض» (2007)، ملاحقة للجوء أهالي الجنوب إلى مخيم البصّ، أثناء حرب تموز 2006. لحظات من مأساة تفاعل معها سكان رومية بحساسيّة بالغة. تذكّروا ربما قدرتهم على اتخاذ موقف ضدّ مآسي الآخرين. سأل أبو عبدو أوباما عن مشروعه المستقبلي لإيقاف تلك الحروب. أخبر معتزّ المخرجة، أنّ المساجين يعرفون ثقل الدم. لكن «هؤلاء الناس (في الفيلم) لم يُنسَوا، أمّا نحن فلماذا نسيتمونا». راح السبليني، يتذكّر أيام الحرب على الضاحية، وشعوره بالعجز. وحكى مظلوم كيف شاهد ابنة عمّه مقطّعة على الشاشة أثناء تلك الحرب نفسها، ففتح لها مجلس عزاء داخل الزنزانة. أمّا فرحات، فقال إنّه كان مشتاقاً فقط إلى رؤية الضاحية...
ساعتان من الدارما، وضعت هؤلاء أمام مراجعات حارّة لوضعهم برمّته. مساحة صغيرة من الأمل منحتهم إياها زينة دكاش. لحظة السينما صارت وقتاً مستقطعاً من ثقل الجريمة، من وطأة الظروف الصعبة التي يتعايشون معها كعقوبة إضافيّة بين جدران
رومية.


مسرحيّة «12 لبناني غاضب» التي قدّمتها زينة دكّاش مع مساجين رومية («الأخبار»، ١١ فبراير ٢٠٠٩) ستصدر على dvd خلال الأسابيع المقبلة، عن جمعيّة «كثارسيس»، إضافة إلى cd عليه أغنيات المسرحيّة التي ألّفها الممثلون/ السجناء في إطار التجربة