من مصر إلى فلسطين فاليمن و... بيروت حيث التقيناه، يتنقّل سفير النيات الحسنة لاكتشاف حجم المأساة الإنسانية في العالم العربي. الممثل المصري الذي يفضّل الابتعاد عن التمثيل، يدعو الفلسطينيين إلى التوحّد في وجه الهمجية الإسرائيلية
هناء جلاد
يمكن مَن تابع مسيرة محمود قابيل أن يلاحظ حرصه الحالي على تفادي الحضور المكثّف على الشاشة الصغيرة. هكذا شارك في رمضان الماضي في مسلسل واحد هو «خاص جداً» (إخراج غادة سليم) مع يسرا. غير أنّ النقاد أجمعوا على تميّز دوره. إذ أدّى شخصيّة زوج يسرا الذي يرتبط بامرأة أخرى سرّاً، ما يؤدّي إلى انفصالهما.
كذلك، فإنّ إطلالاته السينمائية لم تعد كثيرة. ظهر في دور شرفي في شريط «حين ميسرة» لخالد يوسف. كذلك تعرّض لما يشبه «الخدعة» في فيلم «الأكاديمية» (2009) لإسماعيل فاروق. إذ فوجئ بحذف معظم مشاهده في العمل، رغم وجود صورته على الإعلانات الترويجية. لكن يبقى مسلسل «هوانم غاردن سيتي» بجزأيه (1997 ـــــ 1998) العمل الذي رفع رصيد قابيل في مصر وأكسبه حضوراً فنياً لافتاً.
قلّة الحضور الفني تقابلها كثافة في نشاطاته لكونه سفير «الأمم المتحدة للنيّات الحسنة» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. من مصر إلى اليمن، وفلسطين والسودان، فبيروت ـــــ التي حطّ فيها أخيراً للمشاركة في «منتدى«يونيسف» الإقليمي الخامس للإعلام حول قضايا الطفل» ـــــ يتنقل قابيل محاولاً تأدية واجبه على أكمل وجه.
يحكي قابيل الذي زار أيضاً مخيّم البارد، عن الإنجازات التي استطاع تحقيقها منذ تسلمه مهماته في 2003. لعلّ أبرزها، كان القضاء على عودة فيروس شلل الأطفال في مصر، ونشر التوعية حول الأمراض التي تصيب الأطفال في دارفور في السودان. كذلك «تمكّنتُ من الوصول إلى جنوب لبنان إبان حرب تموز 2006 في مهمة توعية الأطفال على خطر القنابل العنقودية وإنشاء مراكز إيواء وأخرى للعلاج النفسي من صدمات الحرب...». لكن فجأة تتغيّر نبرة صوت الممثّل المصري الوسيم، ما إن يبدأ الحديث عمّا شاهده في مخيّم مزرق في صعدة ـــــ اليمن. يصف الوضع هناك بأنّه أسوأ مما رآه في دارفور أو جنوب لبنان بعد عدوان 2006، أو حتى في غزّة والضفة الغربية، «في القرن الحادي والعشرين، وقفت عاجزاً أمام طفل على وشك الموت من سوء التغذية والجفاف. تعاظم حجم الكارثة الإنسانية في اليمن إلى درجة عجز أي خطة إنقاذ عن معالجة الأمر، وخصوصاً بسبب وجود مخيمات اللاجئين ضمن مناطق القتال حيث تتعرض حتى قوافل المساعدات للقصف».
لكن هل العمل الإنساني ومنصبه سفيراً يمنعانه من الحديث في السياسة؟ وما هي خلفيات مهاجمته لـ«حزب الله» بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي عام 2006؟ يجيب قابيل بأنّ كل رأي سياسي يطلقه، إنّما يكون باسم الفنان محمود قابيل، لا بوصفه سفيراً للنيات الحسنة. «عندما انتقدت «حزب الله» عام 2006، ارتكزت في ذلك على خبرتي العسكرية. أنا ضابط سابق في الجيش المصري متخصص في الاستطلاع خلف خطوط العدو، شاركت في حرب الاستنزاف عام 1967». ويستفيض في شرح موقفه، مؤكداً أهمية دراسة «تكتيك» العدو وطريقة تفكيره وردود أفعاله وحياته اليومية، قائلاً: «استغربت وقوع «حزب الله» في خطأ عدم الإدراك الكافي لما سيكون عليه رد فعل إسرائيل تجاه عملية اختطاف الجنديين، فكانت النتيجة عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين، بالإضافة إلى انهيار بنية لبنان التحتية». لكنّه يعود ليقول إنّه أعطى رأيه ولم ينتقد «حزب الله»، مشيراً إلى ما قاله السيّد حسن نصر الله عن أنّه لو كان يدرك أنّ ردّ الاحتلال سيكون بهذا الحجم لما أسرنا الجنديَّين، «وبالتالي هذا التصريح يحمل معنى ما أدليت به، نحن إذاً متفقان».
ومن «حزب الله» إلى انتخابات الرئاسة في مصر، يعطي قابيل رأيه بصراحة تامّة، مفضِّلاً ترك حريّة الخيار للشعب المصري في انتخاب الرئيس المقبل. واللافت معرفة هذا الممثل المصري بكلّ الكوارث الموجودة في العالم العربي، وإصراره على زيارة كلّ المناطق التي تعاني مشاكل إنسانية. هكذا زار فلسطين، وواجه قوات الاحتلال الإسرائيلي «التي لا تحترم أي منظّمة إنسانية». غير أنّه ينفي ما تردّد عن تجريده من ملابسه على أحد حواجز التفتيش.
ولدى سؤاله عن خوفه من تعرّضه لاتهامات التطبيع، كما حصل إثر زيارة هند صبري وهاني شاكر للضفة الغربية، يقول: «صُعقت عندما اكتشفت أننا نحتاج إلى موافقة السلطات الإسرائيلية للمرور عبر جسر اللنبي إلى الضفة الغربية. لكنني سعدت بزيارتي إلى رام الله حيث التقيت بمعظم رجالات السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس». وفي ظلّ كل هذه الهمجية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، يستغرب قابيل الخلافات الفلسطينية ـــــ الفلسطينية، قائلاً: «لا وقت لدينا، ويجب إنقاذ ما يمكن إنقاذه». وبعيداً عن السياسة، ينتقل إلى الحديث عن موسم رمضان 2009، فيشيد بمسلسل «زمن العار»، بينما يرى أنّ «حرب الجواسيس» كان مليئاً بالمغالطات التاريخية.


«تمثيلية» حسين فهمي

لم تخلُ مسيرة محمود قابيل بوصفه سفيراً للنيات الحسنة من بعض المناكفات مع فنانين آخرين، وكان أبرزها ما صرّح به إثر تقديم حسين فهمي (الصورة) استقالته من منصبه سفيراً للنيات الحسنة أيضاً، مع إندلاع العدوان الإسرائيلي على لبنان. إذ يؤكّد قابيل أن ما استفزّه ليس موقف فهمي، بل ما سمّاه «تمثيلية استقالة فهمي» الذي ــ بحسب قابيل ــ «لم يكن سفيراً وقتها. كان قد مضى ثمانية أشهر على انتهاء عقده مع الـ«يونيسف»». وأوضح أنه يرفض إنكار الحقائق والتضليل والتقليل من احترام الشعب العربي «لبيع موقف لا يزيد على كونه مجرد «فرقعة» إعلامية في ظل حرب شعواء».