بيسان طيهما على الخشبة، وفي قلب العالم الافتراضي: رجل وامرأة يجمعهما حوارٌ عبر الإنترنت، تتشابك فيه مونولوجات كل منهما. رجل وحيد وامرأة وحيدة «أون لاين». أما المسافة التي تفصلهما فتُروى في «مسرح دوار الشمس». يحمل العمل عنوان «ماشي أون لاين»، بتوقيع المخرجة الشابة خلود ناصر التي تستعيد عوالم الكاتب الفرنسي برنار ماري كولتيس. متابع العمل سيستعيد «إيقاع» العمل الأخير لكولتيس، نقصد «روبرتو زوكو»، وإن كانت ناصر منتمية إلى هذا الزمن، عصر التكنولوجيا. هذا الانتماء نقرأه من خلال الحضور المكثف للتكنولوجيات على الخشبة. حضور له مستويان: مستوى الحكاية، ومستوى التقنيات التي تشكل جزءاً من الديكور والسينوغرافيا. كل شيء في العرض ينتمي إلى هذا الزمن، زمن الواقع المرتبط بشدة بعالم التكنولوجيا الافتراضي. ناصر ابنة هذا الجيل، تعرف لغته وأدواته، وتجيد الانتماء إليه وقراءته بطريقة نقدية... أو قراءته فقط. هو (هاني خطيب) رجل وحيد، في سجن، أو مصح أو... تخونه ذاكرته، فلا يعرف كيف دُمِّر منزله ومات أفراد عائلته. يظن أنّ انفجاراً وقع، فيما وسائل الإعلام نشرت خبراً عن

العرض شديد الارتباط بالحاضر، لكنه في الوقت عينه يستدعي الماضي


إقدامه على تدمير المنزل وقتل العائلة. وحدته مضاعفة بفعل تشوّش ذاكرته وهويته. يجلس وحيداً أمام كاميرا وشاشة الكمبيوتر. الكون الافتراضي يربطه بامرأة، هي (يارا بو نصار، الصورة) وحدها ستكون صلته بالعالم الخارجي. «هي» تهرب من وحدتها الواقعية إلى العالم الافتراضي. وحده «هو» يمثّل فرصتها لتهرب من وحدتها وتجد لها حبيباً فتخرج من عزلة تعيشها، تحديداً لأنها ابنة هذا الزمن. العرض شديد الارتباط بالحاضر، لكنه في الوقت عينه يستدعي الماضي. ضياع الهوية، هو بذاته انتماء إلى الماضي، و«الآن» الافتراضي ليس سوى جسر إلى «أمس» الواقعي. تتوالى الصور، الكلمات: هي من أمسنا، من حروبنا، من لغتنا التي تكوّن بنيان ذاكرتنا. وهي في الوقت عينه من حروب العالم «الممتلئ بالحروب». «هو» أضاع ذاكرته ويحاول البحث عنها، أما «هي» فتدور في عوالم الافتراض... و«هما» يدوران في غربتهما التامة عن الآن والمكان. وفي هذا السياق، جاءت السينوغرافيا (أعدّتها ناصر) والديكور، وحركة الممثلين أحياناً، لتسهم بالمزج بين العالمين: عالم العرض المسرحي وجمهوره والعالم الافتراضي لـ «هو» و»هي».


19 و20، 27 و28 الحالي ـــــ «مسرح دوار الشمس» (بيروت). للاستعلام: 01/381290