strong>بيسان طياستضافت خشبة «مسرح مونو» أخيراً عروض مسرحية «من هناك؟؟» المقتبسة عن نص بالعنوان نفسه للمسرحي الأميركي وليام سارويان. العرض اللبناني حمل توقيع المخرجة الشابة ماريا باخوس، وحظي بمشاركة الموسيقي هتاف خوري الذي وضع موسيقى العمل. علماً بأنّ الموسيقى كانت من أجمل عناصر العرض وأكثرها غنى. أما باخوس فقد صممّت أيضاً السينوغرافيا التي نفذها طلال عجاج، وهي أيضاً من عناصر العمل القوية. إنها حكاية رجل وامرأة في سجن في ولاية تكساس الأميركية. الرجل موقوف في قضية اغتصاب، والمرأة الشابة والوحيدة تعمل طاهية في السجن. وحدتها وفقرها واستغلالها من جانب والدها، أمور تجعلها تستسلم بسهولة لأول مَن يطرق بابها، ولأول رجل يغريها بكلام معسول.
أما هو فموقوف تخنقه قضبان السجن، يبحث لاهثاً عن مَخرج، فتكون الطاهية «طريدته» ووسيلته للبحث عن مفاتيح الزنزانة أو وسيلة أخرى للهروب. هكذا، يعدها بالحب، وباللقاء في سان فرانسيسكو، ويعطيها المال ويغرقها بالوعود. يدور الحوار بينهما عن وضعه، وعن ألمها. تبدو شابة «ساذجة» أحياناً. فتاة، على رغم شقائها، لم تدخل معترك الحياة. إنّها فتاة حالمة، وصاحبة جسد يحتاج إلى احتضان، يحتاج إلى الحب والجنس. لذا، فالرغبة بالرجل هي محرك هذه الشخصية التي تبدو ـــ كما ذكرنا ـــ بلهاء في بعض الأحيان.

عرض امتلك الكثير من عناصر الإمتاع
الموقوف يحكي من وجهة نظره عن قضية الاغتصاب، فيقول إنّ امرأة طلبت منه أن يشاركها ليلتها، وإن الخلاف دار عندما سألته عن المال.
خلال العرض، تتكسر قضبان المسرح، لنقل إنّها تترنح من مكانها. فالسجن الأكبر، هو سجن داخلي يخنق أصحابه في فسحة ضيقة من الحياة وعوالمها.
الشخص الثالث في العرض هو زوج المرأة، تلك التي اتُّهم السجين باغتصابها. صحيح أنّ مساحة دوره صغيرة، لكنّه هنا ليستقيم فعل المواجهة مع الذات ومع السجين.
يرتكز العرض على نصّ متين وغني، وفيه إحالات على أسئلة كثيرة عن العيش، عن السعادة، عن الوحدة، عن الحب، عن المرارة... لكن غناه في الوقت عينه، يسمح بقراءات متعددة المستويات. وفي عمل باخوس، يبدو أن المخرجة لم تتعمق في قراءتها للنص المكتوب، هذا إضافة إلى أن إيقاع العمل عانى في أحيان قليلة جداً من التقطيع.
بطلة العرض ناتالي سلامة تبدو موهبةً واعدةً، وهي أسهمت في ضخ الحيوية في أداء ماريو طحطوح (الموقوف). أما إتيان فرنسيس (الزوج) فلم تسمح مساحة الدور بالتعرف إلى إمكانياته.
«من هناك؟؟» عرض امتلك الكثير من عناصر الإمتاع، لكنه كان يحتاج إلى دراسة دراماتورجية أكثر عمقاً.