محمد شعيرغاب محمد صالح منذ يومين. كان رحيل صاحب «الوطن الجمر» مفاجئاً، وخصوصاً أنّ التحاليل التى أُجريت له قبل يومين من الرحيل أثبتت أنّ «المرض» لم ينتشر، ففرح الأصدقاء. لكن «صائد الفراشات» آثر الانسحاب بصمت وهدوء تاركاً «حزناً مقيماً» في قلوب الأصدقاء. الصمت والهدوء هما أبرز ما ميّز حياته الخاصة. رغم عمله في المجال الصحافي، إلا أنّ حياته كانت بعيدة عن الصخب والضوضاء والظهور الإعلامي. لم يدخل في معارك مع أحد، حتى أنه رفض أن تُنشر أي أخبار تتناول مرضه، لأنّه رأى أنّ علاج المثقفين أصبح نوعاً من التسول من الدولة، فرحل ولم يعرف أحد بمرضه سوى قلة من أصدقائه.
ينتمي صاحب «خط الزوال» عمرياً إلى جيل الستينيات (ولد في مدينة المحلة عام 1942)، لكن على مستوى البدايات الشعرية، يُعتبر من جيل السبعينيات. أما على مستوى ما يكتبه، فيعتبر أقرب الكتاب والشعراء إلى جيل التسعينيات الشعري وأحد أبرز شعراء قصيدة النثر.
بدا محمد صالح الكتابة باكراً. انتمى إلى ما عرف باسم «شلة المحلة» التي ضمت أبرز الأدباء والمفكرين أمثال جابر عصفور، ونصر حامد أبو زيد، وسعيد الكفرواي، وجار النبي الحلو، وفريد أبو سعدة. وكان قد هاجر معظمهم في الستينيات إلى القاهرة إما للدراسة أو العمل. عندما جاء صالح للعمل، كان يكتب قصيدة التفعيلة، لكنّه لم ينشر كثيراً مما يكتب حتى عام 1984 عندما نشر ديوانه الأول «الوطن الجمر». لاحقاً، بدأ يتلمس صوته الشعري

قصيدته تمثّل لقطةً شعرية عاليةً، تكشف بعداً إنسانياً غائباً

الخاص، فأصدر خمسة دواوين أخرى هي «خط الزوال»، «صيد الفراشات»، «حياة عادية»، «مثل غربان سود» وأخيراً «لا شيء يدل» وينتمي جميعها إلى قصيدة النثر. ورغم أن بعضهم يعتبر أنّ عدد الدواوين قليل مقارنة بعدد أعمال شعراء جيله إلا أنه كان يصر على مفهوم «الديوان» وليس «المجموعة الشعرية». الديوان يتضمن تجربة مكتملة. لذا لم يكن يتردد في حذف أي قصيدة لا تتناسب مع مفهومه. من هنا أيضاً، لم يكن يتردد في حذف أي كلمة أو جملة يمكن أن تخل ببناء القصيدة. لذا تتميز قصائده بالكثافة. كل قصيدة عنده تمثّل لقطةً شعرية عاليةً، وتكشف بعداً إنسانياً غائباً لا يمكن معرفته إلا بإعادة اكتشاف العلاقات المخبوءة في الحياة وإدراك تفاصيل هذه الروابط بعيون جديدة لا تتمسح بالكليشيهات!