بيار أبي صعبنعرفه فناناً منخرطاً في الحركة المسرحيّة الجديدة، ونعيد اكتشافه من خلال قصّته الغرائبيّة، السرياليّة النكهة، الشعريّة الوقع والجنوح. يروى أن النيازك رمت الأرض بحجر صار مدينة تحت الماء، اكتشفها عشرة بحّارة رماهم القبطان من سفينته. في القصّة أيضاً قوارير غاز وفرنكات فرنسيّة وحروب أهليّة. يكتب طارق باشا: «ثم جاء رجل حزين مثلي وبكى. بكى كثيراً. بكى جيّداً. حتّى تحوّلت دموعه إلى بحار». المهم أن المدينة انكشفت، وجاءها العسكر والمرتزقة والغزاة. كاد أهلها يعيشون سعداء لولا الزبالة التي ابتلعت كل شيء. صار رئيس البلديّة هو الحاكم، والعيد الوطني هو «يوم النفايات الخالدة». وراح هرّ عجوز يروي للحيوانات حكاية «ربّما عن الطعام وربّما عن الثورة، لا نعرف».
كتاب صغير تقرأه في السرفيس، أو في انتظار دورك عند الحلاق. لكنّه قد يلازمك طويلاً بعد ذلك. كتاب صغير جداً، يُقرأ بالعرض. لا بالطول (تصميم مايا الشامي). جمل سرديّة بسيطة، تتقاطع مع رسوم بسيطة هي الأخرى (مايا زبيب). كل ما في هذا الكتاب يوحي بالعاديّة. وهو كُتِبَ على هذا الأساس، وصُمّم ليكون كذلك. إنّه كتاب التعب والضجر: تعب ملتزم إذا جاز التعبير، وضجر نقديّ طبعاً. «يوميّات غير مؤكّد منها» (عن «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»)، لسان حال جيل تعب من الكلمات الكبيرة، والجمل الطنانة، والشعارات الزائفة، من فصاحة هي ابنة الفكر المهيمن. لكنّ الجيل الذي نشير إليه لم يتعب من التعب. لم يشفَ من يتمه على هامش المدينة، من جرح مفتوح اسمه الوطن. لذا تبدو السذاجة أداة الاحتجاج الفضلى هنا، ليس ما يضاهيها عبثيّة وقسوة وفجاجة. «يحكى أنها مدينة صغيرة جداً، ويروى أنّها بيروت».