بيار أبي صعبمنذ عدوان تمّوز، يطالبنا بعض الأصدقاء غير اللبنانيين بإضاءات على الانقسام السياسي الحاصل عندنا، وانعكاساته على الساحة الفكريّة والثقافية والإبداعيّة. وطبعاً، نحاول دائماً تقديم صورة مركّبة للمشهد العام. كلا، «الظلامية» ليست دائماً حيث تظنّون، و«الطائفيّة» ليست فقط حيث يطيب للأصابع «الليبراليّة» البيضاء أن تدلّ... و«العلمانيّة» أحياناً شعار أجوف يخفي أحقاداً فظيعة، أو خوفاً من الآخر، أو كسلاً في فهم طبيعة الصراع. كلا، أصدقاء الغرب ـــــ غرب التنوير والتقدّم طبعاً ـــــ ليسوا بالضرورة هؤلاء الذين تصوّرهم التلفزيونات ضاحكين ونظيفين و«كول» وملوّحين بالأعلام. وبالمنطق نفسه، نرفض ثنائيّة الوطنيّين والعملاء، الأبطال والخونة... الواقع اللبناني معقّد، نردد، وتتحكّم به عوامل وترسبات متناقضة ومتراكبة... والمثقّف، مهما كان موقفه، يستعصي على التصنيفات الظرفيّة. وهنا نشير باحترام إلى «الضفّة الأخرى»: خذوا إلياس خوري مثلاً، هل يمكن أيّاً منكم أن يزايد على عروبته وانتمائه إلى القضيّة الفلسطينيّة؟ هكذا بات الرجل إحدى حججنا الدامغة على استحالة التصنيف الاختزالي للمثقفين في لبنان.

هل الكاتب في «القدس» هو «إلياس خوري تبع الملحق»؟
من الآن فصاعداً قد تضعف حجّتنا قليلاً عندما نبحث عن نقاط لقاء مع الجهة المقابلة، ولعلّه السبب الوحيد الذي يجعلنا اليوم نأسف لصرف إلياس خوري من «ملحق النهار». في الحقيقة، لا بدّ من أن نهنّئ صاحب «الجبل الصغير» على عودته إلى نفسه، وإفلاته من تلك الورطة التي كان أسيرها. هل هناك من يريد إقناعنا بأنّ تجاوُر مقالاته مع مقالات ريمون جبارة يندرج في خانة «التنوّع»؟ «علاقتي به (الملحق) صارت ملتبسة من زمان»، يكتب في «المقال الأخير». إلى درجة الفصام يمكن أن نضيف: عين من نافذتك على ثورة الأرز وأدبياتها ورموزها، وعين أخرى، بحكم تاريخك ووعيك، على العالم العربي وقضاياه وأسئلته، حتى بات بعض المحبين والقرّاء يتساءلون إذا كان صاحب المقالة في جريدة «القدس» هو نفسه «إلياس خوري تبع الملحق».
يستغرب إلياس خوري الآن أن يكون قد مُنِحَ «فسحة هنا» صارت «أرضاً للحريّة»، هو «الآتي من خطاب ثقافي يساري، ومن تجربة فلسطينية ـــــ لبنانيّة خاصة وغنيّة». في الحقيقة، نحن من يجب أن يدهش من قدرته على البقاء والتأقلم، طوال هذا الوقت... حتى كادت علاقته باليسار تصبح مثل علاقة مجلّة جمانة حداد بالجسد ـــــ الحريّة: لا شيء إلا اللفظ تقريباً. أما تجربته الفلسطينيّة، فبات يعيشها مثل «أهل الكهف»: هل يكتشف أخيراً أن أبو جهاد سقط من سنوات بعيدة، وتغيّرت عناصر الصراع ومعطياته... وأن المكان الذي يربطه به الحنين، ليس فيه سوى محمد دحلان؟ «المقاومة» اليوم، على طبيعتها المعقّدة وتناقضاتها، في مكان آخر. وأنت يا عمّ إلياس لا تخاف التناقضات. وأنت يا عمّ إلياس تعرف الطريق. نحن في انتظارك!