المخرج الفرنسي من أصل بولندي لم يضجر وراء القضبان. ها هو ينتهز الفرصة ليضع اللمسات الأخيرة على فيلمه الجديد The Ghost بعدما خضع أخيراً لفحوص طبيّة
باريس ــ عثمان تزغارت
ردود الفعل التي أثارها اعتقال رومان بولانسكي (76 عاماً) الشهر الماضي، سلّط الضوء مجدداً على الشخصية الإشكالية لصاحب Rosmary’s Baby. رغم المفاجأة التي أثارها استدراجه إلى سويسرا لاستلام جائزة في «مهرجان زوريخ السينمائي»، واعتقاله بأسلوب لا يليق بشخصية من بمكانته، إلا أن ردود فعل الأوساط الثقافية اتسمت بالشطط. هكذا اعترض وزير الثقافة الفرنسية فريدريك ميتران على اعتقاله بحجّة أنه «سينمائي كبير وصاحب موهبة عبقرية». بينما قال الفيلسوف برنار هنري ليفي إن هذا الاعتقال غير لائق ومثير للغثيان، لأن بولانسكي أحد الناجين من معسكرات الإبادة النازية! هذه التصريحات أثارت حفيظة الجمعيات النسائية التي لفتت إلى أن المدافعين عن بولانسكي تجاهلوا أن العبقرية لا تجعل صاحبها فوق القوانين، وكون بولانكسي ناجياً من الهولوكوست لا يبيح له اغتصاب قاصر.
فيلم يتناول قضية اغتصابه سامنتا غيمر
هكذا، أحاط الجدل ببولانسكي في سقطته، مثلما ظلت الآراء متضاربة إزاء مسيرته الطويلة رغم أنّ أحداً لا يشكّك بأنّه واحد من أبرز صنّاع السينما العالمية. أسهم في التأسيس لسينما «الموجة الجديدة» في فرنسا. لكنه اختلف لاحقاً مع بقية أقطابها (غودار، تروفو، شابرول..) بعدما اعترض على تعطيل «مهرجان كان» عام 1968، تضامناً مع انتفاضة الطلبة في باريس، لأسباب تجارية تتعلق بالترويج لفيلمه Rosemary’s Baby الذي كان مرجّحاً أن ينال «السعفة الذهبية» تلك السنة، لو لم يُعطّل أقطاب «الموجة الجديدة» المهرجان. هذا الموضوع أدّى إلى حرب بين بولانسكي ورفاقه السابقين انتهت برحيله إلى «هوليوود».
لكن أحداثاً تراجيدية عجّلت عودته إلى القارة العجوز. بعد مقتل زوجته الممثلة شارون تيت على يد أتباع السفاح تشارلز مينسون (قُطّع جسدها بالسكاكين وهي حامل)، اتهمته الصحف الأميركية بالمسؤولية الأخلاقية عن الجريمة، لأن القتلة استلهموا عنف Rosemary’s Baby.
لكن صاحب «طريق مسدود» رفض مغادرة هوليوود. مع ذلك، لم تعمّر تجربته الأميركية. فرّ من أميركا، إثر اعتقاله بسبب إقامة علاقة جنسية مع قاصر، وهي القضية التي لاحقته تبعاتها أخيراً، رغم مرور ثلث قرن. وكان بولانسكي قد اعترف، حينها، بتخدير سامنتا غيمر التي لم تكن تجاوزت الـ13 واغتصابها. واغتنم فرصة إطلاقه بكفالة، بانتظار المحاكمة، للفرار. بعدها عاد إلى باريس، حيث احتضنه رفاقه السابقون في «الموجة الجديدة». لكن شيئاً انكسر في أعماقه. لم يعد محبّوه يجدون في أفلامه الموالية ذلك التوهج الفني الذي صنع شهرته في أفلام مرحلته الأولى. حتى «عازف البيانو» (2002) الذي حقّق به حلمه القديم بالفوز بـ«السعفة الذهبية» في «كان»، طغت فيه الصنعة الأسلوبية المفتعلة على البعد الإنساني، رغم أنه يتناول موضوعاً له تأثير عاطفي في نفسه، وهو «المحرقة النازية». فمن المعروف أن بولانسكي نجا من المحرقة بينما قضى والداه في معتقل الإبادة النازية في أوشفيتز.
ذلك الشرخ الذي أحدثته الأحداث التراجيدية في حياته قتل توهجه الفني. وهذا ما ترصده مارينا زينوفيتش في شريطها التوثيقي الذي أُعيد طرحه في الصالات الأوروبية بعنوان «رومان بولانسكي: مطلوب ومرغوب» (مطلوب للعدالة ومرغوب فنياً). في هذا الشريط، حاورت المخرجة مطوّلاً القاضي ريتنبورغ الذي تولّى التحقيق في القضية، واستطاعت إقناع «عشيقة بولانسكي القاصر»، سامنتا غيمر، البالغة حالياً 44 سنة، بأن تتحدث لأول مرة عن صلاتها المحرّمة بصاحب «طريق مسدود».