أسئلة الهويّة وموقع الفرد داخل المجموعة... تجربة شبابيّة تذكّر بمشاغل السبعينيات، وتعيد إلى بيروت موقعها كمختبر للأشكال الإبداعيّة، وفضاءً للقاء والـ«تبادل»
زينب مرعي
المشروع يشبه تلفزيون الواقع، لكن من دون تلفزيون. مجموعة شباب فرنسيين هم: توماس غرولاد، بريس لاجنابر، شارلوت بويّو، مارلين وماتيو بوتي، وأمال خوري أردنيّة مقيمة في لبنان، يلتقون للمرّة الأولى، ويجدون أنفسهم مضطرّين للعيش معاً لمدّة شهر... في «زيكو هاوس» (بيروت).
المشروع جاء بمبادرة من منظمة «تبادل» (مركزها فرنسا) التي تهتم بفتح آفاق التواصل بين لبنان وفرنسا. والنتيجة عرض بعنوانSi on est la, c>est pas pour des prunes أي «لسنا هنا من دون سبب» الذي قدّم أمس ويعرض مجدداً هذا المساء في «زيكو هاوس». المشروع هو عرض مسرحي من دون إخراج أو نص مسبق، مبني على الإدارة الذاتية والتنسيق الجماعي بين سبعة فنانين، تتولى فيه رغدة معوّض مهمّة التنسيق الفنّي، وهو أول مشروع ثقافي ينظّمه جهاز «الإبداع معاً» (Créer ensemble) الذي يهتم بالجانب الثقافي في جمعيّة «تبادل». لكنّ التبادل لم يحصل، على الصعيد المسرحي، لأن الممثلين اللّبنانيين الذين تقدّموا للمشاركة عادوا وامتنعوا عنها «لأسباب شخصيّة»، فبقيت أمال خوري العربيّة الوحيدة الصامدة. بينما لعبت رغدة معوّض دور «المراقب الخارجي»، بما أنّ صعوبة العرض الذي يقدّمه الممثّلون تكمن في غياب مخرج أو نصّ محضّر. خلال إقامتهم في لبنان، كان على الممثلين أن يبتكروا عرضاً مسرحياً من لا شيء، فحاولوا استغلال الوقت لابتكار عمل جيّد. يتحدّثون باختصار عن التجربة الجديدة التي عاشوها خلال شهر آب (أغسطس) المنصرم.
مشروع جماعي على خلفيّة التعرّف إلى الذات والآخر
في الأسبوع الأول، كان «التعارف» عبر تمارين مسرحيّة وارتجاليّة حاول كل ممثّل خلالها فهم ميول كلّ الآخرين، وطريقة عملهم. وكانت التمارين تفضي إلى جلسات مراجعة ليليّة لمناقشة الأمور التي قد تخلق توتّراً بين المشاركين. في النهاية نجح كلّ فرد في إيجاد مكانته ضمن المجموعة وفي العرض. في الأسبوع الثاني، بدأ التطوّر على صعيد العمل، وبدأت بعض القواعد تفرض نفسها على المجموعة. راح الممثلون يقرأون بعضهم على البعض الآخر، النصوص المسرحيّة التي اختاروا أن يحملوها معهم. من هذه النصوص، استنبطوا موضوع «الهويّة» كعنوان لعرضهم. إنّه موضوع إنساني شامل، يثير الأسئلة لدى كلّ واحد منهم، إضافة إلى أنّهم لاحظوا سطوة الموضوع على اللّبنانيين.
همّ المشاركين كان المحافظة على البعد الإنساني الشامل للموضوع، في تقاطعه مع الجانب الشخصي والحميم. هكذا، تطرّق كل منهم إلى الهويّة الشخصيّة، المسرحيّة، الجنسيّة، الهويّة داخل المجموعة... كما نقلوا مسألة الهويّة إلى الجمهور، وقد أبوا إلا أن يأخذوه معهم في رحلة البحث عن الهويّة. هكذا تكوّن العرض انطلاقاً من تقنيات الارتجال والعمل الجماعي كما سادت في السبعينيات، وبات فضاء «زيكو هاوس» هو السينوغرافيا الفعليّة للعمل: يتجوّل الممثلون بين الجمهور، بهدف إشراك المشاهد، والتفاعل معه، وإخراجه من دور المتلقّي السلبي. هذا أيضاً يحمل صدى السبعينيات.
في الأسبوع الثالث، تمّ تحديد كلّ الأمور الأساسيّة. كتب بعض المشاركين نصوصاً لتقديمها، كما اختاروا مقاطع من نصوص أخرى لوجدي معوّض مثلاً، أو رودريغو غارسيا وبرنار ــــ ماري كولتيس. طبعاً تلاعب الفنّانون الشباب بهذه النصوص، فغيّروها وقولبوها. وجاء الأسبوع الرابع والأخير مخصصاً للجانب التقني: الإضاءة مثلاً من صنع الممثّلين الذين استعملوا لمبات صغيرة، بما أنّ المكان ليس مجهزاً لهذا النوع من العروض.
تجربة تستحق التوقف عندها، ولو أنها تبقى ناقصة في غياب الشراكة مع فنانين لبنانيين كي يكتمل المشهد. كان يمكن أن يكون عنوان العرض: بيروت فضاءً نموذجيّاً لـ«مسرح الواقع».


عرضان عند الساعة 8:30 و10:00 مساء اليوم ـــ «زيكو هاوس» (سبيرز ـــ بيروت) ـــ للاستعلام:01/746769