بعد عامين على انطلاقه، ها هو يقفل مكتبه في بيروت، إثر وقف وزارة الخارجية الهولندية تمويله له. هل السبب ماليّ بحت؟ أم له خلفيات سياسية؟
ليال حداد
عندما انطلق موقع «منصات» قبل عامَين تقريباً (تشرين الثاني/نوفمبر 2007) لم يكن في حساب فريق التحرير أنّ عمله سينتهي فجأةً ومن دون سابق إنذار. إذ تبلّغ العاملون في الموقع يوم الجمعة الماضي أنّ المكتب سيُقفل من دون أي تبرير أو توضيح.
طبعاً لم تبدأ المشكلة بين فريق العمل والجهة المموِّلة (مؤسسة «الصوت الحرّ» الهولندية، ومن خلفها وزارة الخارجية الهولندية) يوم الجمعة، بل تعود إلى شهر أيار (مايو) الماضي. يومها نفّذ الصحافيون في مكتب بيروت (المقرّ الرئيسي للموقع) إضراباً احتجاجياً على التأخّر في دفع رواتبهم، واكتفوا بالعمل من منازلهم من دون الحضور إلى مكتب الموقع.
وعندما رضخت «الصوت الحرّ» لمطالبهم، تلقّوا وعوداً بأن يتحوّل «منصات» إلى جمعية مستقلة خلال ثلاثة أشهر تجريبية، شرط أن يحسّن فريق التحرير عمله، ونوعية المواد المنشورة. وهكذا كان. إذ يمكن من راقب الموقع خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة أن يلاحظ تنوّع المقالات المنشورة، وتحسّنها «وقد وصل عدد زوّارنا إلى أربعة آلاف زائر يومياً» تقول مديرة المكتب لينا سحاب.
تبلّغ الموظفون خبر الإقفال من دون أي توضيح آخر
وتزامناً مع ذلك، بدأت عملية البحث عن مموّلين مختلفين يشاركون «الصوت الحرّ» العبء المالي. غير أن المهمة لم تكن سهلة «لم نكن بعد جمعية مستقلة، وبالتالي كان من الصعب جداً الحصول على تمويل» تشرح سحاب. أقفل الموقع إذاً، ولم يعد الموظّفون يداومون في مكتبهم في منطقة طريق الشام ـــــ بيروت، وأرسل فريق العمل المؤلّف من تسعة أشخاص، رسالة إلكترونية إلى كلّ المستكتبين والمراسلين في مختلف أنحاء العالم، جاء فيها «أن كل ما ينشر ابتداءً من 28 آب (أغسطس) لا يمتّ بعلاقة مهنية إلى الفريق».
وكانت المشاكل المالية قد تفاقمت إثر خلافات بين «الصوت الحرّ» ومدير الموقع سامر معضاد على ملكية الموقع وغيرها من المواضيع، التي لا تزال عالقة حتى الساعة، وتبدو غامضة حتى على العاملين في الموقع.
لكن هل المشكلة مالية فقط؟ وهل يمكن تصديق أن وزارة الخارجية الهولندية لا تملك التمويل الكافي للاستمرار في المشروع؟ أم أن هناك خلفيات سياسية، وخصوصاً بعد الجدل الذي وقع بين الصحافي في الموقع ساسين كوزلي، وصحيفة «جيروزاليم بوست» إثر مقال اتّهم فيه تقرير الأمم المتحدة للتنمية بالتحيّز لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي؟ ولم يقف الجدل عند الحدود الإعلامية، بل حذّرت الصحيفة الإسرائيلية دافعي الضرائب الهولندية قائلةً «شكراً، أموالكم تُستخدم لتصوير إسرائيل أفيوناً للعرب».
هكذا، انتهت تجربة «منصات» التي كانت الأولى من نوعها في العالم العربي. إذ تمكّن فريق عمل صغير من خلق مساحة إعلامية بديلة، متخصّصة في شؤون الإعلام. كما انفتح الموقع خلال فترة قصيرة على مختلف أنحاء العالم العربي، وصولاً إلى الصومال وموريتانيا وجزر القمر، وهو ما يعدّ سابقة في الإعلام العربي، وخصوصاً الإلكتروني منه، فما هو مصير الموظّفين التسعة الذين تحوّلوا فجأةً إلى عاطلين من العمل؟ ومن ينظّم مشاريع التمويل الأجنبية للإعلام العربي؟ وهل تخضع هذه المشاريع لمزاجيّة أصحابها، أم لمخطّط طويل الأمد يحمي العاملين فيها؟