مي عز الدين ومحمود ياسين وفاروق الفيشاوي وسمية الخشاب... اختاروا تحويل علاقتهم بربهم إلى مادة إعلامية خلال شهر رمضان. غير أنّ تصريحاتهم لم تمرّ من دون انتقادات الجمهور
محمد عبد الرحمن
هل يهمّ جمهور مي عز الدين أن يعرف أنها قرأت حتى الآن 25 جزءاً من القرآن؟ وهل يحتاج محمود ياسين لتأكيد حرصه على الصلاة في جماعة طيلة شهر رمضان؟ بينما تعلن رانيا فريد شوقي أنها تكتفي بالتعبّد في المنزل، وخصوصاً أنها تمضي رمضان على شاطئ الإسكندرية هذا العام. هكذا نشر موقعا «العربية. نت» و«إم بي سي. نت» وغيرهما من الوسائل الإعلامية عدداً كبيراً من التصريحات التي يمكن وصفها بالدينية، للفنانين المصريين. واللافت أن هذه الظاهرة تقتصر على نجوم «هوليوود الشرق» الذين استسلموا لحملات تقييم علاقة الإنسان بربّه التي انتشرت في الفترة الأخيرة بين المصريين. أما السبب، فهو طبعاً سيطرة الفكر الديني المتشدّد على جزء كبير من المصريين، في ظلّ تراجع مفهوم الإسلام الحقيقي واختفاء علماء الدين «الوسطيين». ونتيجة لغياب هؤلاء، أصبحت القاعدة هي التفتيش في ضمائر الناس والتعامل معهم على أساس أن المتهم مذنب حتى تظهر براءته!
وبينما نجحت الأجيال السابقة في الفصل بين حياتها الشخصية وعلاقتها بالجمهور، أصبح على الفنان اليوم تقديم صكّ البراءة للجمهور لجهة تديّنه، وخصوصاً في رمضان. هكذا أكدّ فاروق الفيشاوي أنّه يحرص على الانتهاء من تصوير مسلسلاته قبل رمضان، ليتفرّغ لقراءة القرآن والتعبّد، لأنه لا يقوم بواجباته الدينية باقي أشهر السنة، «ليس هناك مسلم في رمضان لا يقرأ القرآن ولا يصلي، فهذه أمور بديهية، وهي تكليف من الله لعباده، وليس تفضّلاً من العبد أنه يصوم أو يصلي» قال الممثل المصري. وكان هذا التعليق وحده كفيلاً بشنّ الجمهور هجوماً على الفيشاوي واتهامه بالدعوة إلى دين جديد تقتصر العبادة فيه على شهر رمضان. كما طالبه بعضهم بمراجعة حياته الخاصة وما ارتكب فيها من أخطاء.

ظاهرة اقتصرت على نجوم هوليوود الشرق بعد سيطرة الفكر الديني المتشدّد

ولعلّ هذا الهجوم، يؤكّد أن دخول الفنانين في المواضيع الدينية، سيف ذو حدّين. وذلك لأن الجمهور لا يغفر للفنان الذي يؤدي أدواراً «غير محافظة»، فتنتشر شائعات عدّة عن سلوكياته الشخصية. وهو ما يفسِّر «التعامل اللطيف» مع تصريحات آثار الحكيم التي أكّدت أنّ تقربها من الله لا يعني ارتداء الحجاب. إذ إنّ الحكيم اشتهرت بين الجمهور بأدوارها «المحترمة».
غير أنّ العكس تماماً حصل مع سميّة الخشاب. وقد أعلنت هذه الأخيرة أنها تضطر للصلاة في البلاتوهات خلال رمضان بسبب استمرار تصوير مسلسلها «حدف بحر» وأنها تقرأ القرآن بين المشاهد. طبعاً لم يرحم الجمهور، الخشاب، فرفض منهم قراءتها للقرآن بينما هي مشغولة بتصوير مشاهدها، وذكّر بعضهم بإحجامها عن أداء العمرة هذا العام بسبب خوفها من أنفلونزا الخنازير. غير أنّ الهجوم على الخشاب لم يتوقّف عند هذا الحدّ، بل قارن بعضهم بتجاوز مسلسلات الخشاب، ومنها «حدف البحر»، للحدود الدينية.
وفي إطار الهجوم على تصريحات الفنانين الدينية، رأى زوار عدد من المواقع الإلكترونية «أنّ الفنانين يخدعون أنفسهم ولن يستطيعوا خداع الله». وجاء ذلك رداً على تصريحات وفاء عامر عن نشاطاتها الدينية في رمضان وتتمثل بأداء صلاة الفجر في مسجد السيدة نفيسة حيث تشعر براحة نفسية حقيقية، كما قالت، وحرصها على أداء صلاة التراويح قدر الإمكان.
هكذا تستمر النتائج عكسية إلى حد كبير. إذ حتى لو كانت نية الفنان الحقيقية هي تأكيد التزامه الديني، فإنه لا يدرك أن من يهتم بقياس درجة تديّن الإنسان، سواء كان فناناً أو يعمل في أي مهنة أخرى، لن يقبل منه إلا التديّن كما يراه أصحاب النظرة المتشددة للإسلام. كذلك على الفنان أن يعرف أنّ من يرفض بعض الأعمال التي لا تفيد الجمهور بسبب المضمون الفارغ واعتمادها على إثارة الغرائز أرحم بكثير من أصحاب النظرة الدينية للأعمال الفنية، لأن الفئة الأولى تقيّم أداء الفنان على أساس فني فقط، بينما الفئة الثانية مستعدّة لتقبّل عمل دون المستوى ما دام يلتزم بقائمة الممنوعات التي تفرضها تلك النظرة الدينية.
غير أن هذه القضية تطرح إشكالية أخرى تتعلق بدور الصحافة في هذا المجال. الصحافة هنا تمارس دوراً منحازاً للأفكار المتشددة حتى لو من دون قصد. قبل سنوات، كان السؤال المكرر للفنانين في رمضان عن طقوسهم الاجتماعية والعائلية، ليتكلم الفنان عن ذكرياته مع شهر رمضان والعادات المحببة له بعيداً عن علاقته بربه. لكن بعض الصحف استجاب لرغبات الجمهور السلطوية فبدأ يطرح على الفنانين تلك الأسئلة التي يجب الرد عليها بالصمت، تماماً كما يرفض الفنان الكلام عن حياته الشخصية. هل تكون علاقات النجم العاطفية سراً لا يهم الجمهور كما يكرر معظم النجوم بينما علاقته بربه معلنة وتفاصيلها متاحة
للجميع؟


السوريون يقولون لا

حتى الآن لم تنجح الصحافة المصرية في جذب النجوم السوريين إلى هذا الطريق المظلم، إذ لم يصدر عن أي نجم سوري في مصر هذا النوع من التصريحات الدينية على وجه الإطلاق.
ويبرع الفنانون العرب عموماً، لا السوريون فقط في رفض التطرق إلى تلك الأمور تطبيقاً لقواعد التمثيل المحترف.
وهي تتمثّل في أنّ الكلام عن الدين وحياة الإنسان الشخصية أمر يجب أن يمنحه الفنان للصحافي، لا أن يفرض الصحافي على الفنان التكلم فيه ليكسب تعاطفاً مزيفاً من الجمهور