صورة واحدة لجندي أميركي تسيل منه الدماء كانت كفيلة بإشعال الجدل، وأعادت إلى الواجهة إشكالية نشر صور الجرحى والقتلى، وخصوصاً تلك التي تخصّ الجنود الأميركيين
صباح أيوب
في 14 آب (أغسطس) الماضي التقطت المصوّرة جولي جاكوبسون صورة للجندي الأميركي في أفغانستان جوشوا برنار بعد دقائق من سقوطه في انفجار توفي على أثره. وفي 2 أيلول (سبتمبر)، تلقّى مدير وكالة «أسوشييتد برس»، حيث تعمل جاكوبسون، رسالةً رسميةً من وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس يطلب منه عدم نشر الصورة. وبعد يوم من رسالة غيتس، نشرت الوكالة الصورة وعرضتها على الصحف. أمّا الصحف، فبعضها نشرَ الصورة، وبعضها الآخر أبدى امتعاضه رافضاً نشرها، فيما اكتفت صحف أخرى بعرضها على الموقع الإلكتروني دون الطبعة الورقية. هذا الأمر أعاد إلى الواجهة إشكالية نشر صور الجرحى والجثث وتحديداً صور الجنود الأميركيين.
صورة جاكوبسون، الملتقطة عن بُعد، تظهر الجندي الأميركي على الأرض بين يدي رفاقه ودماء تسيل من ساقيه المصابتين. لا جثّة متفحّمة أو ذراع مبتورة أو دماء مسالة. لا شيء مؤذ للنظر فعلياً، مقارنة بكمية الصور اليومية الآتية من فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان وغيرها. مع ذلك، تدخّلت القيادات الأميركية العليا لمنع نشر الصورة متذرّعة بـ«احترام شعور عائلة الجندي ورغبتها» وتوجّهت للوكالة بعبارات مهينة كوصفها بـ«عديمة الرأفة والمفتقرة للمنطق والحكمة» كما ورد في رسالة وزير الدفاع.
الجندي الأميركي لا يموت. وإذا مات، فيعود بطلاً في تابوت نظيف ملفوف بالعلم الأميركي وسط تأبين رسمي رفيع. لا دماء لا جثث ولا حتى غبار. هذه قواعد الصورة الأميركية في الحرب. خلال 8 أعوام من الحرب على أفغانستان، لم تنشر الصحف أي صورة لجنود أموات أو حتى مصابين. وفي الحرب على العراق حيث قتل أكثر من 250 جندياً، نشرت صورة واحدة فقط في «نيويورك تايمز» تظهر ضابطاً أميركياً مقتولاً ووجهه غير باد للعيان. وفي الفترة الأخيرة، تميّزت الصحف الأميركية بتكثيف الصور البطولية للجنود الأميركيين على أرض

لم تُنشر أي صورة لجنود أموات طوال الحرب على أفغانستان

المعارك في أفغانستان. لكن صورة جاكوبسون جاءت لتكسر «تابو» فرض على الصحافيين، وخصوصاً على المصوّرين، وانصاعت إليه وسائل الإعلام الأميركية في الحروب الأخيرة. «في تلك اللحظات، وتحت القصف، كنت أعلم أن صوري لن تبصر النور على الأرجح لكني تابعت تسجيل لحظات موته لأني كنت قد صورته عندما كان حياً يقاتل»، تقول جاكوبسون في يومياتها المنشورة من أرض المعركة في أفغانستان. وتضيف: «الموت جزء من الحياة ومن الحرب، فلماذا لا ننقل الواقع كما هو؟ ونخبر حقيقة ما يجري في الحرب؟». جاكوبسون تعرف جيّداً قوانين عمل الصحافيين الموجودين في الميدان والقواعد التي تتحكم بالتقاط صور الجنود ونشرها، كالحرص على «التصوير من مسافة لا يمكن التعرف فيها على الجندي» (المادة 8 من قانون عمل الصحافيين المعتمدين عند الجيش). لكن مصوّرة الـ«أ ب» تسأل: «لماذا يسمح لنا بتصوير صور جثث الأعداء ونشرها، حتى من المدنيين؟ هل هم أقلّ إنسانية من الجنود الأميركيين؟». سؤال حسمه مدير الـ«أ ب» بقوله إنّ قرار الوكالة «يتجاوب مع اعتقادهم بضروره إظهار ما يجري حقيقةً في الحروب التي تخوضها أميركا حالياً»، مشيراً إلى أنّ «واجبنا الصحافي هو لفت انتباه المواطنين وحثّهم على التفكير في بعض الأمور حتى لو صُدموا منها!».