ردّاً على رسالة زميلنا الشاعر المقدسي حول مقاطعة «مهرجان تورنتو السينمائي الدولي» («الأخبار» ـــ ١٢ أيلول/ سبتمبر)...
بيار أبي صعب
عزيزي نجوان درويش،
نعم، تطوّر موقفي من قضيّة «تورنتو»! انتقلت من قناعة حاسمة بضرورة الانسحاب العربي من المهرجان الكندي، رفضاً لـ«النجوميّة» المشبوهة التي أسبغها على تل أبيب، إلى تفهّم أكبر لخيار السينمائيّين الذين اختاروا البقاء. لقد أخذت بالاعتبار وجهة نظر المعنيين، وأعدت التموقع عند الخط الذي رسمه مطلقو «إعلان تورنتو» أنفسهم، أي الاحتجاج من داخل. هؤلاء هم، في نهاية الأمر، مَن يخوض المعركة على الساحة الدوليّة، بفاعليّة يشهد لهم بها.
صديقي، ليست المشكلة في أنّك تخالفني الرأي، فالاختلاف من تقاليدنا الفكريّة. إن ما أثار دهشتي في رسالتك، هو نزوعها إلى «شخصنة» النقاش بطريقة سلبيّة. تكتب أنّي خضعت لـ«ضغط انتهازيّي تورنتو» (يا لقسوة التعبير!)، كأنّك أسقطتَ عنّي حقّ (بل واجب) مواصلة التفكير، ومراجعة رأيي في ضوء المعطيات المتراكبة التي توصّلتُ إليها. ثم توجّه سهامك إلى عمر البرغوثي، فتصوّره شيخ طريقة يطلق «الفتاوى». ولا ترحم ياعيل ليرر، إذ تقصيها من عصبيّة الـ«نحن»، مستنكراً أن تكون «مرجعاً للعرب في إدارة مواقفهم الثقافية».

لو غابت السينما العربيّة عن المهرجان، لما انتبه أحد!
بعد ظهور مقالتي الثانية التي استفزّتك، كتبت ياعيل تعاتبني لأنّي استشهدت بها، إذ أنّها لم تناقشني في مقالتي السابقة «أيّها العرب انسحبوا!»، إلا بصفة شخصيّة. أجبتها أننا نعتبرها قيمة أخلاقيّة، وأن رأيها يثري السجال ويؤثّر فيه. الناشرة والمناضلة التي تواجه الكيان السبارطي من داخله، كانت في معركة تورنتو منذ البداية، وتعرف حيثيّاتها، ووجهة نظرها مهمّة في الموضوع. وياعيل ليرر واحدة منّا يا نجوان.
أما عمر البرغوثي، فاستندتُ إليه ممثّلاً لمؤسّسة باتت مرجعاً دوليّاً على جبهة مقاطعة إسرائيل. «حملة مقاطعة إسرائيل ثقافياً وأكاديمياً» إنجاز من شأنه أن يساعدنا على عقلنة المعارك التي تخاض تحت راية «مقاومة التطبيع»، في مناخ فكري عشوائي يفتقر إلى أبسط المعايير... حتّى بتنا نخشى يوماً يصبح فيه التخوين هو القاعدة، وسط مناخ من البارانويا والذعر والهستيريا الجماعيّة...
أذكّرك أنّك من طرح السؤال في مقالتك التي فجّرت القضيّة عربيّاً (٣١/ ٨): «هل يستجيب إيليا سليمان ويسري نصر الله لنداء المقاطعة الذي دعت إليه «حملة مقاطعة إسرائيل...»؟ ذهبنا إلى «الحملة» واكتشفنا أنّها لم تدعُ أحداً إلى الانسحاب، ما يغيّر بعض الشيء معطيات الموضوع. لماذا لم تعد تلك المرجعيّة تناسبك الآن؟ علماً أن المعايير التي تقترحها لتحديد «التطبيع»، مثبتة في ميثاق تبلور ميدانيّاً، ونوقش على نطاق قاعدة واسعة، أعتبرُ شخصيّاً أنّها تمثّلني.
لا يمكن أن «ننتصر» في تورنتو، برأيك، إلا بالانسحاب من المعركة؟ الوحيد الذي يتّفق معك، من بين المشاركين، هو المنتج المصري شريف مندور. لقد أعلن من القاهرة سحب «هليوبوليس»، ضارباً عرض الحائط بموقف مخرج الفيلم أحمد عبد الله الذي وقّع بياناً واضحاً مع يسري نصر الله. أما حين تكتب أن مجرّد «التلويح بالمقاطعة» من قبل المخرجين العرب، كان «سيجبر المهرجان على إعادة النظر في المسألة»... فلعلّك لا تأخذ بالاعتبار واقع الإنتاج السينمائي في بلادنا، وعلاقته بالمهرجانات العالميّة. هل كان من المجدي حقّاً أن «ننتحر» بهؤلاء السينمائيين الذين نجحوا في تجاوز كل العراقيل للوصول إلى هنا؟ لو غابت السينما العربيّة عن هذا المحفل الدولي المهمّ، لما انتبه أحد. صدقني! إذا وجد فيلم إيليا سليمان مكاناً في صالات أميركا الشماليّة، بين «التقدّمي» آري فولمان و«داعي السلام» صموئيل ماعوز، فإن ذلك سيكون مكسباً أكبر لثقافتنا وقضيتنا القوميّة.
أما العنتريّات والمزايدات التي لا تلزم «أبطالها»، ولا تكلّفهم شيئاً، فمن أدرى منك بأنّها للتفريغ وللاستهلاك المحلّي فقط، ولن تساعدنا على تحقيق أي مكسب في تورنتو أو سواها. لا أريد أن يساء فهمي: أنت برّاء من تلك الديماغوجيّة طبعاً، لأنّك تريد أن تأكل العنب لا أن تقتل الناطور. أليس كذلك؟