ليال حدادنادراً ما يفتح الإعلام المحلي ملفّ الإتجار بالبشر في لبنان. ولو فعل، فإن زاوية المعاجلة ستتناول الفتيات القادمات من أوروبا الشرقية وغيرها من الدول للعمل في الدعارة من دون علمهنّ. غير أنّ ما يجهله الإعلام أنّ جريمة الإتجار بالبشر تتجاوز مجال الدعارة في لبنان لتصل إلى بيع الأطفال والأعضاء البشرية، وهي تجارة رائجة على عكس ما يروّج في أغلب التقارير التي تصدرها الوزارات اللبنانية وتنشرها الصحف والتلفزيونات من دون تدقيق. هذا ما كشفته تقارير الأمم المتحدة المتتالية منذ عام 2004، علماً بأنّ القانون اللبناني مليء بالثغر في تعاطيه مع هذه المسألة.
انطلاقاً من هذا الواقع شبه المأساوي، تنظّم مؤسسة «الرؤية العالمية» World Vision بالتعاون مع مؤسسة «مهارات»، التي تعنى بقضايا وسائل الإعلام في لبنان، ورشة عمل بعنوان «الإتجار بالإنسان في الإعلام ــــ تعزيز الإعلام الدقيق والحسّاس والمسؤول اجتماعياً» عند الساعة العاشرة من صباح اليوم في فندق «ميريديان كومودور» ــــ الحمرا (بيروت). يشارك في الورشة صحافيون من مختلف وسائل الإعلام اللبنانية، وتهدف بالدرجة الأولى إلى تزويدهم بمجموعة مراجع يمكن الاعتماد عليها في حال قيامهم بتحقيق بشأن هذا الموضوع.

فتح الإعلام هذا الملف خلال ما عُرف بـ«فضيحة كان»

طبعاً، ستشجّع ورشة العمل الصحافيين على تناول هذه المواضيع وكسر المحرّمات التي تقيّد عملهم. هذا ما تؤكّده رولا مخايل من «مهارات» لـ«الأخبار». وتشدّد على أنّه يجب عدم حصر موضوع الإتجار بالبشر بالدعارة، كما أنّه ينبغي للصحافيين انتقاء مصطلحاتهم ومعرفة السياق المناسب لاستخدامها وتفادي الخلط في المفاهيم.
لكن ماذا عن المنظومة القانونية المجحفة وغير الواضحة في هذا المجال؟ وما هو دور الإعلاميين في الضغط على المؤسسات الحكومية المعنية في اتجاه تغيير هذا القانون؟ يلعب الإعلامي الدور الأبرز في هذا المجال، وهو ما يجمع عليه كلّ منظّمي ورشة العمل. وتشرح كارلا لويس من «الرؤية العالمية» أنّ الورشة ستعمل على توعية الصحافيين في هذا الشأن، كي يصبحوا قادرين على العمل في مختلف الاتجاهات، إن لجهة تغيير القانون أو فضح شبكات الإتجار. وتنفي لويس أن يكون هناك في لبنان أي أرقام واضحة في هذا المجال، وخصوصاً أن الضحايا يتفادون غالباً الكلام خوفاً من «العار» والفضيحة.
يذكر أنّ هذه الورشة تأتي ضمن مشروع بدأته «الرؤية العالمية» قبل فترة وتضمّن ورشتي عمل، الأولى مع قانونيين ووزراء لبنانيين والثانية مع منظمات المجتمع المدني.
وهنا لا بدّ من العودة إلى المرّة الأولى التي تعاطى فيها الإعلام اللبناني بوضوح مع موضوع الإتجار بالبشر. كان ذلك في ما عرف بـ«حادثة كان» (2007) حيث قُبض على أحد أصحاب وكالات الأزياء اللبنانيين في فرنسا، ثمّ أطلق سراحه، فتوالت الحلقات التلفزيونية والتحقيقات التي تعاطت مع هذا الموضوع، وإن كان تعاطياً سطحياً وحتى فضائحياً.