ليال حدادكان يمكن لحلقة أول من أمس من برنامج «الاتجاه المعاكس» على قناة «الجزيرة» أن تُقارب موضوع الإعلام الرسمي العربي، من زاوية جديدة وغير تقليدية، وخصوصاً أن الموضوع نادراً ما يُناقش. وكان يمكن أيضاً أن يأخذ فيصل القاسم (الصورة) الحوار إلى اتجاه تحليلي يعكس أثر هذا الإعلام ومكانته الحالية في المجتمعات العربية. لكن الوضع كان مختلفاً. إذ تحوّلت الحلقة إلى حفلة شتائم طالت الإعلام الخاص «العاهر والفاسق»، ساقها الإعلامي الجزائري يحيى أبو زكريا، مقابل حجج غير مقنعة ودفاع ضعيف قاده الصحافي اللبناني إبراهيم العريس.
هكذا، مع انطلاق الحلقة، بدا واضحاً أنّ النقاش سيبقى عقيماً ــــ كما هي الحال في أغلب حلقات البرنامج ــــ وأن الضيفَين يغرّدان في سربَين مختلفين. «أنا مع إلغاء كل وزارات الإعلام العربية» قال العريس مقترحاً استبدالها بوزارات الثقافة. ما أثار حفيظة أبو يحيى الذي انفعل متسائلاً عمّن «سيراقب الإعلام المتفلّت إذا ألغيت هذه الوزارات؟». وطبعاً لعب القاسم دوره المفضّل مستفزّاً الصحافيَين، ودافعاً النقاش باتجاه اللهجة الحادة والصوت المرتفع.
هذا كان في بداية الحلقة، قبل أن يطرح أبو زكريا أفكاره عن «الإعلام العربي المتحالف مع المال اليهودي... الذي يطمح إلى خلق مجتمع عربي مخنّث»! مشهد وخطاب سريالِيَان، أطلقهما الإعلامي الجزائري، رافضاً فكرة وجود أي إعلام خاص خارج هذا التصنيف. ولم تكتمل خيبة المُشاهد، إلا مع أفكار العريس «التنويرية» المؤكدة أنّ الشعوب العربية ملّت من الحديث عن المقاومة وفلسطين «ما يهمّني أنا هو رفاه الشعب لا المقاومة».
على هذا المنوال، استمرّ الردّ والردّ المضاد، وانتقل الحديث إلى مهاجمة الإعلام الإيراني ثمّ الدفاع عنه، وشتم الليبرالية العربية «التي صفّقت للدبابة الأميركية وهي تدخل العراق» قال أبو زكريا....
بين هذا وذاك، ضاع موضوع الحلقة من دون أن يفهم المشاهد ما هو وضع الإعلام الرسمي العربي اليوم؟ ما هي المعوّقات التي تمنعه من منافسة المحطات الخاصة؟ ما هو دور هذا الإعلام؟ ولماذا تقتصر وظيفته في المجتمعات العربية على نقل أخبار الرؤساء والملوك والزعماء؟ ولماذا يتّهم بأنه... «إعلام خشبي»؟