نوال العليهذه هي المجموعة الشعرية الثانية للسوداني عصام عيسى رجب. «شارع يضحك في سرّه» (الغاوون) تشبه عنوانها تماماً. فيها يضحك الشعر في سرّه. يلمع بقوة ثم يخفت. يلفت الشاعر في بداية الديوان إلى تاريخ كتابة القصائد. ولا تعرف قيمة ذلك إلا بعد أن ترى أن قصائد التسعينيات المعنونة بـ«الكاما سوترا السمراء» كانت هاتكة وغير مبالية أكثر من تلك القصائد الجيدة المكتوبة في عام 2006، حيث يظهر فيها شيء من الصنعة الشعرية، والتطويل في القصائد على حساب شعريتها.
أول ما يخطر لك قبل تصفّح الديوان، أن تتساءل: لماذا لا نعرف الكثير من الشعراء السودانيين منذ الفيتوري؟ تفتش في ذاكرتك عن أسماء فلا تجد ما يروقك، وتجد رجب فاتحة خير... «حتى لا أموت/ سأصير أي شيء/ لا يحيا بالهواء ولا الماء/ ولا بالقليل من الخبز/ حجر شديد الطفولة/ بذراته/ أو شارع يضحك في سرّه». ألا يذكرنا هذا المقطع ببيت الجاهليّ تميم بن مقبل «ما أطيب العيش لو أنّ الفتى حجرٌ/ تنبو الحوادث عنه وهو ملموم». مرجعيات الشاعر تظهر. وفي قصائده ثمة مسألة نادرة في القصيدة العربية الحديثة، وهي التعلق بالطبيعة وجلبها لتكون صاحبة الفضل في مكونات الصور المتتالية بقوّة. فرجب لا يمرر عبارة عادية، وعباراته على اختلاف مستوياتها تحاول أن تبلغ الجدّة دائماً. لكن نبرة الشاعر تقوى كلما اقترب من النثر، كما نرى في

هذا الشاعر السوداني تقوى نبرته كلّما اقترب من النثر
قصيدة «السرير»: «بمعجزتك تلك/ ليلة بعد ليلة/ وسنة بعد سنة/ تمنحنا العزاء... مبارك هو المواء... وصريرك لو يطول». هذه الشعرية نفسها تضعف كلما مال صاحبها إلى التفعيلة، فتتحول القصيدة إلى أي قصيدة مشابهة مثل قصيدة «سفر السكينة»: «والسكينة/ ما رددته المياه/ على مسمع الصخر/ حتى ترقرق منه الكلام/ حنيناً حنيناً».
ويفاجئنا رجب بصوت مختلف تماماً في قصيدته Whale Tail، لغة عارية تحاول أن تظهر شهوانيتها. لكن الشاعر يشذبها باستمرار، لا يكسرها سوى العبارة الافتتاحية، إذ يقول: «في البطء يمكن الفوات»، مثل هذا الاستهلال لا يشي بالقصيدة المقبلة، بل إنّه في الحقيقة محبط. ثم يقول رجب: «فتاة الدراجة تلك/ مرت سريعاً أمامك/ كان سروالها الأبيض الشفاف الصغير الـ.../ يمد هكذا رأسه المثلث/ وخيط رقبته فوق بنطالها الذي انزاح مفسحاً ربما، ليد ما أن تسدي صنيعاً...». في ديوان صاحب «الخروج قبل الأخير» قصائد نحبها، وقصائد نقرأها، وقصائد نميل إليها، وأخرى...