سناء الخوريألكسندر فاسيليف ضابط متقاعد من الاستخبارات الروسيّة، حلّ على الأرجح ألغازاً كثيرة، لكنّ إنجازاته بقيت حكماً في الخفاء. سرٌ واحد سيجعل هذا العسكري السابق، الصحافي والمؤرخ في مجال الاستخبارات اليوم، ينال شهرةً عالميّة. هذا السرّ لم يكتشفه أثناء الخدمة، بل لاحقاً بعدما حصل خلال التسعينيات على إذن أتاح له الاطلاع على تقارير تعود إلى أرشيف الحقبة الستالينيّة. في سجلات الـ KGB العتيقة، وجد فاسيليف أسماء لجواسيس سريّين نشطوا خلال الأربعينيات، من بينهم عميل أميركي، اسمه الحركي «أرغو».
«أرغو» في الأصل سفينة ميتولوجيّة إغرقيّة، لكنّ الاسم كان يحيل في شيفرات وزارة أمن الدولة السوفياتيّة إلى الجاسوس... إرنست همنغواي! هكذا بعد ميلان كونديرا الذي ما زال يجاهد لينفي تهمة وشايته بمعارض، أثناء شبابه في تشيكيا، جاء دور أشهر صيادي

صاحب «الرجل العجوز والبحر» هو الذي طلب من الاستخبارات تجنيده عام 1941
الأدب العالمي. لكنّ صاحب «الرجل العجوز والبحر» ليس هنا اليوم لينفي الخبر أو يثبته. لنا أن نقبل الفكرة، أو نرفضها، على ذمّة كتاب بعنوان«الجواسيس: صعود الـ KGB وهبوطها في أميركا» (مطبوعات «جامعة يال»). فيه يوثّق فاسيليف، ومعه جون إيرل هاينز وهارفي كليهر، حقبة حساسة في تاريخ الاستخبارات الروسيّة، ويكشفون أسماء أميركيين من بينهم رجالات أدب وفن عملوا مع السوفيات. صاحب نوبل الآداب عام 1954 يتصدّر اللائحة، بعدما طالب بنفسه، مراراً، أن تجنّده الاستخبارات الروسيّة عام 1941. وخلال لقاءاته مع عناصر سوفيات في هافانا ولندن، عبّر همنغواي عن رغبته الصادقة بأن «يساعدهم»، وذلك بحسب التقرير الذي نقلته صحيفة الـ«غارديان» البريطانية بعد صدور «Spies: the rise and fall of the Kgb in America» خلال الشهر الماضي.
«العجوز» الذي استوطن شواطئ كوبا الشيوعية على متن قاربه «بيلار»، وبدأ مسيرته صحافياً ناشطاً على جبهة الحرب الإسبانيّة، داعماً الجمهوريين في وجه فرانكو، واتخذ لاحقاً مواقف مناهضة للفاشية في كتاباته، غير بعيد عن هذه الشبهات.
لكن الأوراق المفتوحة، كشفت أيضاً أنّ رجل القلم الذي قضى منتحراً عام 1962 لم يكن على قدر عال من الفعاليّة في كتابة التقارير. هنا، ينقل الكتاب عن أحد التقارير السريّة قوله إنّ «أرغو فشل في إعطائنا أي معلومات سياسيّة مفيدة»، ولم تمتحن جدواه فعليّاً «في أي مهمّة عمليّة»!