كتاب الصحافي خالد الحداد يُظهر كيف استخدم الرئيس التونسي الراحل الإعلام سلاحاً في معاركه ضدّ المستعمر الفرنسي... وخصومه السياسيّين أيضاً
تونس ــ سفيان الشورابي
بقدر «القداسة» التي كانت تثيرها شخصيّة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة (1903ـــ2000) خلال فترة حكمه، بقدر ما أصبحت اليوم محطّ اهتمام مؤرخين انكبوا على دراسة مختلف جوانب سياسته، مستفيدين من ثراء المرحلة البورقيبية الطويلة نسبياً واستعداد معاصريه لفتح دفاتر كان محرّماً عليهم التطرق إليها في زمنه. كتاب «بورقيبة والإعلام: جدلية السلطة والدعاية» (مطبعة تونس ــــ قرطاج) للصحافي التونسي خالد الحداد يندرج ضمن البحوث التي نبشت في أجزاء محورية من أطروحات الحبيب بورقيبة قبل تسلمّه سدة الحكم وبعده، موظفاً عاملين: أولهما، الحرية المتوافرة التي تتيح عرض التاريخ المخفي من حياة بورقيبة من دون خشية التعرض لهجمات تكتلات متعصبة للفكر البورقيبي (خلافاً للحالة التركية). وثانيهما، تجرؤ عدد من المقرّبين من الرئيس السابق على تقديم شهاداتهم التاريخية من دون خوف من المحاسبة.
«بورقيبة والإعلام» تناول نظرة الزعيم الراحل إلى الإعلام ودوره في الحياة العامة والواقع. وقد بحث خالد الحداد في حضور الإعلام والاتصال في الخطاب والممارسة السياسية لبورقيبة، وتنقل بين مختلف المحطات التاريخية التي اعتبرت بمثابة الأحداث المحدّدة والمؤثرة في سيرورة الإعلام في تونس. وكما كان موقع بورقيبة مصيرياً في رسم معالم تاريخ تونس الحديث بدءاً من توقيع اتفاق الاستقلال

«عبادة الزعيم» كانت الكلمة السر في استراتيجيته الإعلامية

الداخلي وتحديثه القوانين وتصفية خصومه في الحزب الحاكم وخارجه، كانت بصمته على القطاع الإعلامي جليةً. بورقيبة نفسه نزل من «عليائه» إلى مدرجات معهد الصحافة ليلقي محاضرات عن تاريخ الحركة الوطنية بين 12 تشرين الأول (أكتوبر) و15 كانون الأول (ديسمبر) 1973 أبرزت رؤيته إلى مهمة الإعلام ورفعت من مكانة الإعلام في تحرير البلاد من الاستعمار. «عبادة الزعيم» كانت الكلمة السر في استراتيجية بورقيبة الإعلامية. إذ ورد في شهادة وزير الإعلام السابق مصطفى المصمودي: «كان بورقيبة يصنع الحدث ويحرص على نشره وإبلاغه إلى الرأي العام». وكان ذلك من البديهيات لزعيم اعتبر وظيفة الإعلام هو المحافظة على حكمه. فـ«الصحف كانت فضاءً استعمله بورقيبة في جميع معاركه الخارجية مع المستعمر الفرنسي، والمحلية مع خصومه السياسيين».
المؤكد أنّ مطالب تحرير الإعلام من قبضة السلطة لم تكن تعني الكثير لبورقيبة المهووس بالانفراد بالسلطة. وكان يرفض جعل الصحافة مجالاً للجدل السياسي وفضاءً للتناظر. ولا يرى في الإعلام من دور سوى التركيز «على نشاطات جهاز الدولة والحزب الحاكم دون سواهما». إلا أن انكسار شوكة بورقيبة مع بروز حركات معارضة لسياسته أفضى رويداً إلى انتهاء «المشروع الاتصالي البورقيبي إلى نوع من التكسر والتعطل».