سناء الخوري
جيسي واشنطن، مزارع أميركي من أصول أفريقيّة، قُتلت ربّة عمله. في إحدى محاكم تكساس، قررت هيئة المحلّفين إنزال عقاب: «أحضروا الزنجي!». كان ذلك عام 1916، وكان جيسي في السابعة عشرة ويعاني إعاقة عقليّة. آلاف «المواطنين البيض الصالحين» حملوا الصبي، علّقوه من رقبته على عمود كهرباء، قطّعوا أطرافه، ثمّ أحرقوه حياً، في أجواء كرنفاليّة، تحتفي بإحقاق العدالة. التقط أحدهم صورةً للتذكار، وضعها على بطاقات بريديّة، وباع الواحدة بـ50 سنتاً. على إحداها نقرأ: «حفلة شواء أقمناها الليلة الفائتة... ابنكما المحبّ جو».
هذه البطاقة البريديّة المعروضة حاليّاً في «ملتقى آرل للصور الفوتوغرافيّة» (آرل ــــ جنوب فرنسا) واحدةٌ من سبعين تضمّها مجموعة Without Sanctuary لجامع التحف الأميركي جايمز ألن. توثّق المجموعة حقبةً بشعةً من الممارسات العنصريّة بحقّ السود في الولايات المتحدة، بين عامي 1882 و1968. أمضى ألن 25 عاماً في توثيق صور تلك الجرائم العلنيّة، وعرضها للمرّة الأولى بعنوان «شاهد» في مانهاتن عام 2000، قبل أن تصدر في كتاب Without Sanctuary: Lynching photography in America (توين بالمز).

بطاقات بريدية توثّق لحقبة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة الأميركيّة
في هذه الصور، نرى لورا نلسون وابنها يتدليان مشنوقين من أحد الجسور، وآلن بروكس وديك روبنسون وجوزيف ريتشاردسون وويل جايمس معلّقين على أعمدة كهرباء أو على غصن وسط غابة أو في باحة مدرسة، وحولهم أطفال يلعبون وجموع متحمّسة كأنها تشهد عرضاً راقصاً... وهذه المرّة الأولى التي تعرض تلك البطاقات البريديّة خارج بلاد العمّ سام، في إطار تظاهرة «40 عاماً من اللقاءات والتصدعات». الحدث تستضيفه المدينة لمناسبة مرور أربعة عقود على تأسيس هذا الموعد الذي يُعَدّ اليوم أحد أبرز اللقاءات العالميّة في مجال التصوير الفوتوغرافي. حتّى 13 أيلول (سبتمبر) المقبل، تحتفي آرل بمصورين عالميين على رأسهم الأميركيّة نان غولدين ومواطنها دووان مايكل وبمصورين أميركيين آخرين... بينهم هؤلاء الذين التقطوا مشاهد العنف العنصري ثمّ حوّلوها إلى بطاقات بريديّة معظمها مؤرخ ومحفوظ باسم استوديواتهم. حينها كانت الصورة وسيلةً للاحتفاء بالعنصريّة، واليوم أصبحت وثيقة لإدانة ذلك الاحتفاء نفسه، ورسالة احتجاجيّة من ذلك الماضي القريب.