بيار أبي صعب ولد شاعر في دمشق، اسمه عمر الجفّال. عشرات غيره ربّما يعيشون في الظلّ، في انتظار فرصتهم. أما هو فقد منحته الفرصة «دار التكوين» السوريّة، إذ أطلقت «جائزة الديوان الأوّل» التي تمنح سنويّاً لشاعر جديد. أوّل العنقود ديوان الجفّال «خيانات السيّدة حياة»: مجموعة قصائد غير متوقّعة، تشبه ثماراً وحشيّةً، اختارتها لجنة من الشعراء والنقاد: سامي أحمد (صاحب الدار)، محمد عُضيمة، خالد حسين خالد، محمد مظلوم. تقرير الجائزة يتصدّر الكتاب الصغير، ويقترح مطالعة شاملة للتجربة، مستبقاً متعة القارئ: «انحياز لأسئلة الحيرة إزاء الذات والعالم»، «الذات المشروخة، المتشظية، المقسومة على ذاتها»، «إخراج الشعريّة من فضائها النمطي»... تلك بعض المفاتيح التي قد تساعد على ولوج عالم عمر الجفّال.
ليس في الكتاب ما يشير إلى عمر صاحبه، لكن ما أهميّة الأمر؟ قد يولد الشاعر ـــــ مثل صموئيل بيكيت ـــــ في الخمسين. نحن هنا في مدارات خاصة، تتقدمنا الحيرة فوق أرض صديقة: «هكذا أكنّيكَ، بعدّة أسماء/ كي أستطيعَ نسيانكَ». هل يخاطب الشاعر صنوه؟ تستسلم لتدفّق الكلمات والصور، وكثافة الرؤى، وسرياليّة الديكور. يدعو أرامله إلى الحفلة، يمرّ بطيف الحرية: «ثوب تَموْضَعَ في حقل ألغام»، يستحضر الملحدين والأوثان والكهنة... الكاتدرائيّة والرايات الحمراء، يستشهد بضابط الحدود. ينفصم بين «أنا» و«أنت»، يستنجد بالجنيّة على ضباع ترتاد حلمه، يسأل الأعمى أن يدلّه عليه، يعلن خوفه على الملأ، يحقن اللغة بدم إله فاسد، يتعلّم أن الظلام هو الضوء... يشاطرنا رؤيته الفوتوغرافيّة لخمس نساء على شفى العزلة. ويطمئننا، عند مفترق قصيدة، بأن «ليلنا ينزف بلاداً».