Checkpoint Rock الموسيقى ضدّ الاحتلالحيفا ــ غالب كيوان
فلسطين وحدة لا تتجزأ، يحكي لنا الشريط الوثائقي «حاجز الصخرة ـــــ موسيقى تضرب الجدران»، أو Checkpoint Rock، الذي يُعرض حالياً في مختلف أرجاء فلسطين. يتناول الشريط قضيةً واحدة يصرّ الاحتلال على تجزئتها إلى خمس هي: قضية اللاجئين (حقّ العودة أو اللاعودة)، قضيّة القدس (عاصمة «دولة اليهود»؟ أو عاصمة لدولة الشعب الفلسطيني؟)، قضيّة «عرب الـ48»، (فلسطينيون أم إسرائيليون!) وقضيّة الضفة (التابعة لفتح) وغزّة (التابعة لحماس).
طيلة خمسة أعوام، قام مغنّي الروك الإسباني فيرمين موغوروزا ومواطنه المنتج خافيير كوركيرا بتتبّع حياة موسيقيين من مختلف أنحاء فلسطين، حيث تحول الحواجز الإسرائيلية دون تواصلهم... هكذا نجح الفنانان الإسبانيان، حيث فشلت النضالات السياسيّة حتّى الآن: لقد مدّا جسور تواصل بين أبناء الشعب الواحد من خلال شريط موسيقيدام»، «خلص»، أمل مرقص، «عربيّات»، «ولّعت» و«ثّلاثي جبران» (فرق ومغنّون فلسطينيون من «عرب الـ48»)... حبيب الدّيك (موسيقي من نابلس)، مثنّى شعبان (مطرب من جنين)، «صابرين» (فرقة من القدس)، «بي.آر» (فريق راب من غزة)، شادي العاصي (مغني وموسيقي لاجئ من مخيم دهيشة) هؤلاء هم أبطال الفيلم و«حاجز الصخرة» هو الفاصل بينهم.
يبدأ المشهد الافتتاحي بجنازة محمود درويش في آب (أغسطس) الماضي... استوحى الموسيقيون الشباب من أشعار الراحل طريقاً لتحقيق ذواتهم كفنانين. يتداخل صوت مرسيل خليفة مع الصورة، نسمعه يغنّي «إلى أمي» في وداع صديقه، ثمّ تنتقل الكاميرا من رام الله إلى تل أبيب العاصمة الاقتصادية لـ«دولة إسرائيل»، ثم يافا إحدى أفقر المدن الفلسطينية. هناك نتعرّف إلى فرقة الراب «دام» التي نجحت في الوصول إلى العالمية، لكنّ أفرادها المقيمين اليوم في اللدّ (جنوبي شرقي يافا)، يصفون أنفسهم باللاجئين في وطنهم، ناقمين على الحواجز التي تعترضهم... طيلة العمل، ننتقل مع الكاميرا من حاجز إلى آخر، وفي كلّ محطّة فنانون يعبّرون عن جوّ المكان العام.

يرصد العمل مأساة شعب من خلال الأغنية والموسيقى، وينتهي على مشاهد قصف غزّة
المحطة التالية هي حيفا العاصمة الثقافية لـ«عرب 48»... هناك، نلتقي فرقة الروك «خلص» على خشبة مسرح نادٍ ليلي، ونسمع تذمّرها من الوضع السياسي والاجتماعي الراهن في أغنية «الملك عريان». بعد ذلك، ننتقل إلى الناصرة حيث أحد أجمل الأصوات الفلسطينية: إنّها المغنّية الشابة أمل مرقص التي تتحدث عن علاقة الحدود بالأرض، معلنةً أنّها ـــــ كامرأة وفنّانة ـــــ من أسلحة الدمار الشامل! هنا، تعتلي خشبة المسرح وتنشد بصوتها الدافئ قصائد لمحمود درويش. نتركها، ونطير إلى عكّا المهددة بتهجيرٍ جديد لأهلها، فتُسمعنا فرقة «ولّعت» أغنية عن علاقة حبّ على حاجز. إنّه حاجزٌ من حواجز كثيرة، مرئيّة وغير مرئية، أضحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الفلسطينيين في الضفة والقطاع.
عبر أحد هذه الحواجز، ننتقل إلى نابلس ونسمع حبيب الديك يعزف على عوده مقطوعة «مقاتل»، ثمّ تنقلنا الكاميرا إلى حاجز آخر ندخل عبره إلى جنين، فنلتقي المغنّي الشعبي مثنّى شعبان... لاحقاً، يعرّفنا الفيلم إلى شادي العاصي، الفنان اللاجئ الذي يقطن في «مخيم دهيشة» في بيت لحم ويعمل في «مؤسسة إبداع»... في انتظار العودة.
إلى القدس الآن. في عاصمة فلسطين المحتلّة، نلتقي من سمّاهم الشريط أسياد الأغنية الفلسطينية. إنّها فرقة «صابرين»، نسمعها تغنّي أحوال المدينة التي تحوّلت بسبب الحواجز وجدار الفصل العنصري إلى قرية صغيرة... نعود إلى رام الله حيث يصوّر طاقم الفيلم مع أيمن، عضو فريق الراب الغزواي «بي. آر»، فيروي لهم كيف تشتّتت الفرقة وصار كل عضو منها في مكان، فلم يعد في وسعه إلا تأدية أغنية سولو للفريق بمحاذاة جدار الفصل العنصري.
هكذا، يعرض الشاهدان الإسبانيان المعاناة اليوميّة لشعب كامل، من خلال تجربة فنّانيه... هؤلاء الذين ضاقت بهم وسائل الإعلام والفضائيّات العربيّة... في أحد المشاهد الأساسيّة للفيلم، نلتقي «ثلاثي جبران» خلال أربعين محمود درويش... يكتفي الشريط هنا بتقديم مقطوعة فنية على العود للإخوة الثلاثة (سمير، وسام وعدنان) الذين رافقوا الشاعر الفلسطيني في أمسياته... نسمع قصيدة «لا وقت للغد» وصوت درويش: «أَمشي/ أهرولُ/ أركضُ/ أصعدُ/ أنزلُ/ أصرخُ/ أَنبحُ/ أعوي/ أنادي/ أولولُ/ أسرعُ/ أبطئ / أهوي/ أخفُّ/ أجفُّ/ أسيرُ/ أطيرُ/ أرى».
يخفت الصوت وتبدأ مشاهد العدوان على غزَّة، يليها المشهد النهائي للفيلم. أغنية جماعية للفنانين المشاركين في الشريط، يؤدّونها معاً بواسطة كاميرا تنتقل بينهم لتعيد مسار العمل منذ بدايته. تكسر العدسة الحواجز، لكنَّ كلّ فريق يراوح مكانه، حاملاً مأساته، مغنّياً المقطوعة التي ألّفها لإنجاز الأغنية الجماعية.
يقدّم العمل طرحاً سينمائياً جديداً، إذ يحكي مأساة شعب من خلال الأغنية والموسيقى، طارحاً قضيته من منظور إنساني وفنّي مختلف. هنا، يقول لنا الفنانان الإسبانيان إنّ الفن وحده قادر على القفز فوق «حاجز الصخرة».